للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فصل]

: وإن قطع رب بالمال الثَّمَرَةَ بِغَيْرِ إِذَنِ الْعَامِلِ فَقَدْ أَسَاءَ، ثُمَّ لَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً أَوْ تَالِفَةً، فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً نَظَرَ الْعَامِلُ فِي أَحَظِّ الْأَمْرَيْنِ لِلْمَسَاكِينِ من قسمتها وَأَخْذِ ثَمَنِ عُشْرِهَا، فَإِنْ كَانَ قَسْمُهَا أَحظَّ لَهُمْ قَسَّمَهَا وَفَرَّقَ الْعُشْرَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ بَيْعُهَا أَحَظَّ بَاعَهَا، أَوْ وَكَّلَ فِي بَيْعِهَا وَصَرْفِ ثَمَنِ عُشْرِهَا فِيهِمْ، وَإِنْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ تَالِفَةً فَعَلَيْهِ قِيمَةُ عُشْرِهَا حِينَ أَتْلَفَهَا رُطَبًا، لِأَنَّ الرُّطَبَ لَا مِثْلَ لَهُ فَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ أَتْلَفَهَا رُطَبًا مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ لَزِمَهُ عُشْرُهَا تَمْرًا فَهَلَّا لَزِمَهُ فِي إِتْلَافِ الْعَطَشِ عُشْرُهَا تَمْرًا. قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَخَفِ الْعَطَشَ وَلَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِهَا ضَرَرٌ لَزِمَهُ تَرْكُهَا وَأَخْذُ الْعُشْرِ من ثمرها، فإذا خَافَ الْعَطَشَ كَانَ لَهُ قَطْعُهَا وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَرْكُهَا فَلَمْ يُطَالَبْ بِعُشْرِهَا تَمْرًا، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا لَزِمَهُ، فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ ثَمَنُ عُشْرِهَا أَوْ عُشْرُهَا مَقْطُوعَةً، فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ.

أحدها: أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ ثَمَنَ عُشْرِهَا إِنْ رَأَى حَظَّ الْمَسَاكِينِ فِي أَخْذِ عُشْرِهَا مِنْهُ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ يَأْخُذُ مِنْهُ ثَمَنَ عُشْرِهَا إِنْ تَلِفَتْ يَعْنِي: قِيمَةَ الْعُشْرِ، فَعَبَّرَ عَنِ الْقِيمَةِ بِالثَّمَنِ أَوْ عُشْرِهَا رُطَبًا إِنْ بَقِيَتْ، فَالْأَوَّلُ مِنَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الثَّمَرَةِ الْمَوْجُودَةِ.

وَالثَّانِي: عَلَى اخْتِلَافِ حالها لو وجدت أو عدمت.

[مسألة:]

قال الشافعي: " ومن قطع من ثمر نَخْله قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُهُ لَمْ يَكُنْ عليه فيه عشرٌ وأكره ذلك له إلا أن يأكله أَوْ يُطْعِمَهُ أَوْ يُخَفِّفَهُ عَنْ نَخْلِهِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ وجوب الزكاة ببدو الصلاح، فإذا أقطع ثمرة نخلة قبل بدوة صَلَاحِهَا وَوُجُوبِ زَكَاتِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَهُ قَبْلَ حَوْلِهِ، لَكِنَّهُ إِنْ قَطَعَهَا لِتُفِيدَ فِي التَّخْفِيفِ عَنْ نَخْلِهَا لِحَاجَةٍ فِي أكلها لم يكره له، وإن قطعها مراراً مِنَ الزَّكَاةِ كَرِهْنَا ذَلِكَ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ، وَإِنْ خَالَفَنَا مَالِكٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مَعَهُ، فَأَمَّا طَلْعُ الْفُحُولِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ قَطْعُهُ بِحَالٍ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ في الثمرة، وطلع الفحول لَا يَصِيرُ ثَمَرَةً.

فَصْلٌ

: وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ " نَهَى عَنْ جِدَادِ اللَّيْلِ " وَهُوَ: صِرَامُ النخل ليلاً ليكون الصرام نهاراً بسبب فيسال النَّاسُ مِنْ ثَمَرَتِهَا، فَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِيمَا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ أَوْ لَمْ تَجِبْ.

وَحُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ: أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنَ الْمَالِ وَقْتَ الصِّرَامِ وَالْحَصَادِ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتُوا حَقًّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) {الأنعام: ١٤١) . وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ ". وَالْمُرَادُ بِمَا ذَكَرُوا مِنَ الْآيَةِ الزَّكَاةُ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي: " وإن أكل رُطَبًا ضَمِنَ عُشْرَهُ تَمْرًا مِثْلَ وَسَطِهِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>