للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى يَأْذَنَ مَعَهُ الْحَالِفُ، فَإِنْ أَذِنَ الْغَيْرُ، وَلَمْ يَأْذَنِ الْحَالِفُ حَنِثَ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: ائْذَنْ لَهَا عَنِّي، فَقَدْ صَارَ فِي الْإِذْنِ نَائِبًا عَنِ الْحَالِفِ، فَيَحْتَاجُ الْغَيْرُ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا إِذْنَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: عَنْ نَفْسِهِ.

وَالثَّانِي: عَنِ الْحَالِفِ.

فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْإِذْنَيْنِ بَرَّ الْحَالِفُ، وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا حَنِثَ.

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يُطْلِقَ إِذْنَهُ لِلْغَيْرِ، فَيُسْأَلَ عَنْهُ الْحَالِفُ. فَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ عُمِلَ عَلَيْهِ، وَكَانَ حُكْمُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الضربين، فإن فات سؤال الحالف عنه الغيبة طَالَتْ نُظِرَ حَالُ ذَلِكَ الْغَيْرِ مَعَ الْحَالِفِ.

فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ أَنْ يَأْمُرَهُ وَيَنْهَاهُ، صَارَ هَذَا الْإِذْنُ لَهُ أَمْرًا، فَيَكُونُ إِذْنًا، عَنِ الْحَالِفِ، فَيَصِيرُ كَالضَّرْبِ الثَّانِي.

وَإِنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ صَارَ مِثْلُ هَذَا الْإِذْنِ طَلَبًا، فَيَكُونُ إِذْنًا عَنِ الْغَيْرِ، فَيَصِيرُ كَالضَّرْبِ الْأَوَّلِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوْ أَذِنَ لَهَا وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَخَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حقٌّ لِرَجُلٍ فَغَابَ أَوْ مَاتَ فَجَعَلَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ فِي حلٍّ بَرِئَ غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ لَهُ فِي الْوَرَعِ لَوْ أَحْنَثَ نَفْسَهُ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَاصِيَةً لَهُ عِنْدَ نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ أَذِنَ لَهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا حَلَفَ بِطَلَاقِهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَأَذِنَ لَهَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْإِذْنِ حَتَّى خَرَجَتْ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَا يَكُونُ عِلْمُهَا بِالْإِذْنِ شَرْطًا فِي الْبِرِّ. هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: يَحْنَثُ، وَيَكُونُ عِلْمُهَا بِالْإِذْنِ شَرْطًا فِي الْبِرِّ، اسْتِدْلَالًا بِأَرْبَعَةِ مَعَانٍ:

أَحَدُهَا: إنَّ الْإِذْنَ تَضَمَّنَ الْإِعْلَامَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) {الحج: ٢٧) أَيْ: أَعْلِمْهُمْ بِفَرْضِهِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ: " إِذَا حَلَلْتِ، فَآذِنِينِي "، أَيْ: أَعْلِمِينِي. وَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>