وَثَيِّبٍ مَعَ وُرُودِ ذَلِكَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ، وَكَانَ فِيهِنَّ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَعَمَّ وَلَمْ يُفَرِّقْ.
فَإِنْ قِيلَ: فَاسْمُ الْحَائِلِ لَا يَنْطَلِقُ إِلَّا عَلَى مَنْ أَخْلَفَ حَمَلُهَا بَعْدَ تَقَدُّمِهِ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ: نَخْلَةٌ حَائِلٌ إِذَا أَخْلَفَتْ بَعْدَ أَنْ حَمَلَتْ، وَتَسْمِيَةُ حَائِلٍ لَا يَنْطَلِقُ ذَلِكَ عَلَى مَا لَمْ تَحْمِلْ مِنْ فَسِيلِ النَّخْلِ، وَصِغَارِ الْبَهَائِمِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، لِأَنَّ الْحَائِلَ ضِدُّ الْحَامِلِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى عُمُومِهِ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ رَوَى أَبُو الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ " وَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ مَا تَكَلَّفُوهُ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَلِأَنَّ مَنِ اسْتَجَدَّ مِلْكَ أَمَةٍ مُحَرَّمَةٍ لَزِمَهُ اسْتِبْرَاؤُهَا قَبْلَ الِاسْتِمْتَاعِ قِيَاسًا عَلَى مَوْضِعِ الْوِفَاقِ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ مَنْ يُجَامَعُ مِثْلُهَا، وَلَا يُجَامَعُ، وَمَنْ يَحْبَلُ مِثْلُهَا وَلَا يَحْبَلُ يَشُقُّ لِاخْتِلَافِهِ فِي النَّاسِ، وَاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ فَحُسِمَ الْبَابُ، وَقُطِعَ التَّنَازُعُ كَالْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ حِينَ قُدِّرَ شَرْعًا لِحَسْمِ التَّنَازُعِ، وَتَحْرِيمِ قَلِيلِ الْخَمْرِ حَسْمًا لِمَا تُفْضِي إِلَيْهِ مِنَ الصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ عُمُومُ الِاسْتِبْرَاءِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ رِوَايَتِهِمْ لِقَوْلِهِ: " وَلَا ثَيِّبٌ حَتَّى تَحِيضَ " فَالْأَثْبَتُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ قَوْلِهِ: " وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ " وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ بَعْضَ مَا شَمِلَهُ مِنَ الْعُمُومِ فَلَمْ يُعَارِضْهُ.
فَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ: " لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى عَذْرَاءَ "، فَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ خِلَافُهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ فِي جَمِيعِهِنَّ.
وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلِ الِاسْتِبْرَاءُ لِاسْتِحْدَاثِ الْمِلْكِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَيْسَ يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ تَارَةً وَلِلتَّعَبُّدِ أُخْرَى، كَالْعِدَّةِ تَكُونُ اسْتِبْرَاءً لِلرَّحِمِ تَارَةً وَلِلتَّعَبُّدِ أُخْرَى إِذَا كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مُتَوَفًّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا ذَكَرُوهُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِالْعِدَدِ.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً مِنِ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ وَقَبَضَتْهَا وَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ ثُمَ اسْتَقَالَهَا فَأَقَالَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْفَرْجَ حُرِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَلَّ لَهُ بِالْمِلْكِ الثَّانِي ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مِمَّا أَوْضَحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ اسْتِبْرَاءَ الْإِمَاءِ مَعَ يَقِينِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَمَتَهُ عَلَى امْرَأَةٍ، وَتَفَرَّقَا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ ثُمَّ اسْتَقَالَهَا فَأَقَالَتْهُ لَزِمَهُ اسْتِبْرَاؤُهَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ سَوَاءٌ أَقْبَضَهَا أَوْ لَمْ يُقْبِضْهَا.