للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ أَنْكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ إِبَاحَتِهِ، وَقَدْ وَرَدَتِ الْإِبَاحَةُ فَزَالَ الْإِنْكَارُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَيَّدَ إِنْكَارَهُ بِشَرْطٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ {حتى يثخن في الأرض} وَفِي إِثْخَانِهِ دَلِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَثْرَةُ الْقَتْلِ.

وَالثَّانِي: الِاسْتِيلَاءُ وَالظَّفَرُ، وَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا، فَزَالَ الْإِنْكَارُ وَارْتَفَعَ الْمَنْعُ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ أَمِيرَ الْجَيْشِ مُخَيَّرٌ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ، يَفْعَلُ مِنْهُمَا أَصْلَحَهَا فِي كُلِّ أَسِيرٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا نَظَرَ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَظِيمَ الْعَدَاوَةِ شَدِيدَ النِّكَايَةِ، فَهُوَ الْمَنْدُوبُ إِلَى قَتْلِهِ فَيَقْتُلُهُ صَبْرًا، يَضْرِبُ الْعُنُقَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [محمد: ٤] .

وَقَوْلِهِ: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: ١٢] . وَلَا يُمَثِّلُ بِهِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الْمُثْلَةِ، وَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْإِحْسَانَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي الْقَتْلِ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ".

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ مَثَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالعرنيين، فقطع أيدين، وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَأَلْقَاهُمْ فِي حَرِّ الرَّمْضَاءِ فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مُتَقَدَّمِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُهى.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ جَزَاءً وَقِصَاصًا، لِأَنَّهُمْ قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَثَّلُوا بِهِ فَقَاتَلَهُمْ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦] . وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْرِقَهُمْ بِالنَّارِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يُعَذِّبُ بِعَذَابِ اللَّهِ غَيْرُ اللَّهِ ".

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ جَمَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ حِينَ قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ بِالْيَمَامَةِ جَمَاعَةً مِنَ الْأَسْرَى وَأَلْقَاهُمْ فِي حُفَيْرَةٍ وَأَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ، وَأَخَذَ رَأْسَ زَعِيمِهِمْ فَأَوْقَدَهُ تَحْتَ قِدْرِهِ، قِيلَ عَنْهُ جَوَابَانِ:

أحدهما: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْكَرَا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ وَبَرِئَا إِلَى اللَّهِ مِنْ فِعْلِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا كَانَتْ حَالًا لَمْ يَنْتَشِرْ فِيهَا حُكْمُ النَّهْيِ، فَفَعَلَ خَالِدٌ مِنْ ذَلِكَ مَا اقْتَضَاهُ حُكْمُ السِّيَاسَةِ عِنْدَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي مُتَقَدَّمِ الْإِسْلَامِ، وَكَانُوا أَوَّلَ قَوْمٍ تظاهروا

<<  <  ج: ص:  >  >>