تَحْرِيمِهِ. فَبَطَلَ بِهَذَا أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ يَمِينًا، أَوْ يَصِيرَ مُؤْلِيًا، وَأَخْبَرَتْ أَنَّهُ كَفَّرَ عَنْ تَحْرِيمِ الْجَارِيَةِ دُونَ الْعَسَلِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ، أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ عَرَبِيٍّ عَنِ اسْمٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَصِفَتِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ الْيَمِينُ، قِيَاسًا عَلَى كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ وَسَائِرِ الْكَلَامِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ فَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا، وَقَدْ رَوَى الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالشَّعْبِيُّ أَنَّهُ حَرَّمَ مَارِيَةَ عَلَى نَفْسِهِ بِيَمِينٍ حَلَفَ بِهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ، فَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحْرِزٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ ابْنَ مُحْرِزٍ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يَرَوِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَلَى أَنَّهُ يَحْمِلُ قَوْلَهُ: (الْحَرَامُ يَمِينٌ تُكَفَّرُ) ، أَيْ فِي الْحَرَامِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ بِالْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ خَالَفَ اللَّهَ تعالى فانعقدت به اليمين.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُ عَلَيَّ حَرَامٌ يَعْنِي امْرَأَتَهُ وَجَوَارِيَهُ وَمَالَهُ كَفَّرَ عَنِ الْمَرْأَةِ والجواري كفارة يمين وَاحِدَةً وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْ مَالِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا يَمْلِكُ مِنْ نِسَائِهِ وَجَوَارِيهِ وَأَمْوَالِهِ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْأَمْوَالِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا تَغْلِيظَ وَلَا حَدَّ فِي تَنَاوُلِ مَحْظُورِهِ، وَأَمَّا نِسَاؤُهُ وَجَوَارِيهِ، فَإِنْ أَرَادَ تَحْرِيمَ وَطْئِهِنَّ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، وَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: وهو قوله في القديم، وظاهرة نَصِّهِ هَاهُنَا، عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ لَفْظَةَ التَّحْرِيمِ وَاحِدَةٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ وَجَوَارِيهِ كَفَّارَةٌ، اعْتِبَارًا بِأَعْدَادِهِنَّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مُحَرَّمَةٌ، وَمِثْلُهُ مَنْ ظَاهَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: كَفَارَّةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّ اللَّفْظَةَ وَاحِدَةٌ.
وَالثَّانِي: أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ، بِاعْتِبَارِ أَعْدَادِهِنَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مُحَرَّمَةٌ أَنَّهُ مُظَاهِرٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ.
وَهَكَذَا مَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، كَانَ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْحَدِّ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: حَدٌّ وَاحِدٌ، لِأَنَّ اللَّفْظَةَ وَاحِدَةٌ وَالثَّانِي: يُحَدُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حد، لأنه مقذوف في عيشه.