وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْبَيْضِ إِذَا صَارَ دَمًا وَعَلَقَةً فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْبَيْضِ إِذَا صَارَ كَذَلِكَ هَلْ هُوَ نَجِسٌ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي عَلَقَةِ الْآدَمِيِّ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ طَاهِرٌ. فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ الدَّلِيلُ بِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ نَجِسٌ. فَعَلَى هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْضِ وَبَيْنَ الْخَمْرِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفِعْلَ فِي الْبَيْضِ غَيْرُ مَحْظُورٍ فَجَازَ أَنْ يُطَهَّرَ بِهِ وَفِي الْخَمْرِ مَحْظُورٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَهَّرَ بِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا هُوَ نَجِسٌ مِنَ الْبَيْضِ لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ فِعْلٌ وَإِنَّمَا كَانَ فِي غَيْرِهِ فَجَازَ أَنْ يُطَهَّرَ بِهِ كَمَا يُطَهَّرُ الْخَمْرُ بِالِاسْتِحَالَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَمْرُ النَّجِسُ لِأَنَّ فِعْلَ التَّخْلِيلِ حَادِثٌ فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَهَّرَ بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْعِلَّةَ إِذَا زَالَتْ وَجَبَ زَوَالُ حُكْمِهَا فَالْجَوَابُ: أَنَّ نَجَاسَةَ الْخَمْرِ قَدْ زَالَتْ وَإِنَّمَا بَقِيَ نَجَاسَةُ الْخَلِّ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ على سقوط الحد وزوال التفسيق فيقال بموجبه لأن نجاسة الخمر قد زالت وإنما بقيت نجاسة أخرى وهي نَجَاسَةُ الْخَلِّ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى تَحْلِيلِهَا بِالنَّقْلِ وَالتَّحْوِيلِ مِنَ الظِّلِّ إِلَى الشَّمْسِ أَوْ بِتَعْرِيضِهَا لِلْهَوَاءِ وَالرِّيحِ. أَوْ بِكَشْفِ رُؤُوسِهَا حَتَّى أَطَارَتِ الرِّيحُ الْمِلْحَ فِيهَا فَهَلْ تَكُونُ طَاهِرَةً كَمَا لَوِ اسْتَحَالَتْ أَوْ تَكُونُ نَجِسَةً كَمَا لَوْ خُلِّلَتْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهَا نَجِسَةٌ كَمَا لَوْ خُلِّلَتْ لِأَنَّ تَحْوِيلَهَا وَكَشْفَ رَأَسِهَا سَبَبٌ لِإِتْلَافِهَا وَمَانِعٌ مِنَ اسْتِحَالَتِهَا بِذَاتِهَا وَخَالَفَ الْإِمْسَاكُ لِأَنَّ إِمْسَاكَهَا يُقْصَدُ بِهِ تَعْتِيقُهَا وَاسْتِصْلَاحُهَا وَيُقْصَدُ بِكَشْفِهَا اسْتِهْلَاكُهَا وَإِتْلَافُهَا أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ الشَّاعِرِ:
(فَهِيَ لِلْيَوْمِ الَّذِي نَزَلَتْ ... وَهِيَ تِرْبُ الدَّهْرِ فِي الْقِدَمِ)
فَعَلَى هَذَا: سَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا طَاهِرَةٌ كَمَا لَوِ اسْتَحَالَتْ بِخِلَافِ التَّخْلِيلِ لِأَنَّ التَّخْلِيلَ إِحْدَاثُ فِعْلٍ فِيهَا فَلَمْ تُطَهَّرْ بِهِ وَلَيْسَ كَشْفُ رُؤُوسِهَا وَتَحْوِيلِهَا إِحْدَاثَ فِعْلٍ فِيهَا فَجَازَ أَنْ تُطَهَّرَ بِهِ.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُكَهُ عَصِيرًا ثُمَّ صَارَ فِي يديك خمرا وقال المرتهن رهنتيه خمرا ففيها قولان أحدهما أن القول قول الراهن لأنه يحدث كما يحدث العيب في البيع ومن قال هذا أراق الخمر ولا رهن له والبيع لازم والثاني أن القول