للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِبَاحَتِهِ، جَرَى عَلَى الْمَالِ الْمُبْتَدِئِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ اعْتِبَارًا بِالْمُبِيحِ، وَلَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ الْحَظْرُ اعْتِبَارًا بالمستبيح.

كذلك حكم هذه الْخُرُوجِ.

وَتَحْرِيرُهُ: إنَّهَا اسْتِبَاحَةٌ بَعْدَ إِبَاحَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ فَقْدُ الْعِلْمِ بِهَا مُؤَثِّرًا فِي حُكْمِهَا كَالْمَالِ.

وَالرَّابِعُ: إنَّهَا لَا تَعْلَمُ بِإِذْنِهِ، لِبُعْدِهَا تَارَةً، وَلِنَوْمِهَا أُخْرَى، وَقَدْ وَافَقُوا أَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهَا، وَهِيَ نَائِمَةٌ، فَخَرَجَتْ غَيْرَ عَالِمَةٍ بِإِذْنِهِ لَمْ يَحْنَثْ، كَذَلِكَ إِذَا أَذِنَ لَهَا، وَهِيَ بَعِيدَةٌ، فَلَمْ تَعْلَمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى خَرَجَتْ وَجَبَ أَنْ لَا يَحْنَثَ.

وَتَحْرِيرُهُ: إنَّهَا يَمِينٌ تَعَلَّقَ الْبِرُّ فِيهَا بِالْإِذْنِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ مُوجِبًا لِلْحِنْثِ، كَالنَّائِمَةِ وَالنَّاسِيَةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمُ الْأَوَّلِ، بِأَنَّ الْإِذْنَ يَتَضَمَّنُ الْإِعْلَامَ اسْتِشْهَادًا بِمَا ذَكَرُوهُ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ الْإِعْلَامَ هُوَ الْإِيذَانُ دُونَ الْإِذْنِ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْإِذْنِ وَالْإِيذَانِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْإِذْنَ لَوِ اقْتَضَى الْإِعْلَامَ، لَاخْتَصَّ بِهِ الْإِذْنُ دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِ إِذْنِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمُ الثَّانِي فِي النَّسْخِ، فَهُوَ إنَّ فِي اعْتِبَارِ الْعِلْمِ بِهِ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إنَّ النَّسْخَ يَلْزَمُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ كَالْإِذْنِ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ.

وَالثَّانِي: إنَّهُ لَا يَلْزَمُ إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، كَأَهْلِ قُبَاءَ حِينَ اسْتَدَارُوا فِي صَلَاتِهِمْ، وَبَنَوْا عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَبْلَ عِلْمِهِمْ بِنَسْخِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالْكَعْبَةِ.

فَعَلَى هَذَا إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّسْخَ مُخْتَصٌّ بِالتَّعَبُّدِ الشَّرْعِيِّ، فَلَمْ يَلْزَمْ إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، لِوُجُوبِ إِبْلَاغِهِ، وَالْإِذْنُ رَافِعٌ لِلْمَنْعِ، فَصَارَ مُرْتِفَعًا قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمُ الثَّالِثِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِذْنِ يَقْتَضِي خُرُوجًا تَكُونُ فِيهِ مُطِيعَةً، فَهُوَ انْتِقَاضُهُ بِخُرُوجِهَا إِنْ كَانَتْ نَاسِيَةً لِإِذْنِهِ، أَوْ كَانَتْ نَائِمَةً عِنْدَ إِذْنِهِ هِيَ قَاصِدَةٌ لِمَعْصِيَتِهِ، وَلَا يَحْنَثُ بِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمُ الرَّابِعِ بِالْمُتَكَلِّمِ، فَهُوَ فَسَادُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي كَلَامِ الْغَيْرِ الِاسْتِمَاعُ دُونَ الْإِعْلَامِ وَالسَّمَاعِ، وَهُمْ يَعْتَبِرُونَ فِي الْإِذْنِ الْإِعْلَامَ دُونَ السَّمَاعِ وَالِاسْتِمَاعِ، فَفَسَدَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَعَ اخْتِلَافِ مَقْصُودِهِمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>