للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْفِرَهَا لِنَفْسِهِ لِيَتَمَلَّكَهَا فَيُمَكَّنُ، وَيَصِيرُ مَالِكًا لَهَا بِالْإِحْيَاءِ، وَسَوَاءٌ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، لِأَنَّ إِحْيَاءَ الْمَوَاتِ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنِهِ، وَلَا يَضْمَنُ مَا سَقَطَ فِيهَا كَمَا لَا يَضْمَنُهُ فِيمَا حَفَرَهُ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَالَيْنِ مَالِكٌ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَحْفِرَهَا لِيَنْتَفِعَ هُوَ وَالسَّابِلَةُ بِمَائِهَا وَلَا يَتَمَلَّكُهَا فَيُنْظَرُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي حَفْرِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا سَقَطَ فِيهَا لِقِيَامِ الْإِمَامِ بِعُمُومِ الْمَصَالِحِ وَإِذْنُهُ حُكْمٌ بِالْإِبْرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ فِي حَفْرِهَا فَفِي ضَمَانِهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ - عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَجَعَلَ إِذْنَ الْإِمَامِ شَرْطًا فِي الْجَوَازِ، لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالنَّظَرِ فِي عُمُومِ الْمَصَالِحِ مِنَ الْحَافِرِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ: إِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْمُبَاحِ، لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنِ الْإِمَامِ وَالْمَحْظُورُ لَا يُسْتَبَاحُ بِإِذْنِهِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ وَهُوَ أَنْ يَحْفِرَهَا فِي طَرِيقٍ سَابِلٍ: فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضُرَّ حَفْرُهَا بِالْمَارَّةِ فَيَصِيرُ مُتَعَدِّيًا وَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا سَقَطَ فِيهَا، سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ، لِأَنَّ إِذْنَ الْإِمَامِ لَا يُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا تَضُرَّ بِالْمَارَّةِ؛ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ وَانْحِرَافِ الْبِئْرِ عَنْ جَادَّةِ الْمَارَّةِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْفِرَهَا لِيَتَمَلَّكَهَا فَهَذَا مَحْظُورٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَ طَرِيقَ السَّابِلَةِ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَا سَقَطَ فِيهَا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَحْفِرَهَا لِلِارْتِفَاقِ لَا لِلتَّمْلِيكِ، فَإِنْ لَمْ يُحْكِمْ رَأْسَهَا وَتَرَكَهَا مَفْتُوحَةً ضَمِنَ مَا سَقَطَ فِيهَا، وَإِنْ أَحْكَمَ رَأْسَهَا وَاسْتَأْذَنَ فِيهَا الْإِمَامَ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فِيهَا فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ جَعَلَ إِذْنَ الْإِمَامِ شَرْطًا فِي عُمُومِ الْمَصَالِحِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَضْمَنُ لِلِارْتِفَاقِ الَّذِي لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْهُ بُدًّا

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ إِنْ حَفَرَهَا لِارْتِفَاقِ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِهَا. إِمَّا لِشُرْبِهِمْ مِنْهَا.

وَإِمَّا لِيُفِيضَ مِيَاهَ الْأَمْطَارِ إِلَيْهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَفْرَهَا لِيَخْتَصَّ بِالِارْتِفَاقِ بِهَا لِحَشْرِ دَارِهِ أَوْ لِمَاءِ مَطَرِهَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ عُمُومَ الْمَصَالِحِ أَوْسَعُ حُكْمًا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>