للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: وُرُودُ السُّنَّةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَمْنَعُوا مِنْ تَسْلِيمِ الْمُنَافَاةِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ أَكَلَ وَجَامَعَ نَاسِيًا، فَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ بَطَلَ فَجَامَعَ عَامِدًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ هَتْكَ الْحُرْمَةِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى صَوْمِهِ فجامع فعليهما لقضاء وَالْكَفَّارَةُ وَقَالَ أبو حنيفة: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ وَهَذَا خَطَأٌ وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ الْمُبَاحَ وَالْمَحْظُورَ إِذَا صَادَفَا الْعِبَادَةَ، لَمْ يَتَغَيَّرْ حُكْمُ أَحَدِهِمَا لِمَكَانِ الْآخَرِ كَالْحَجِّ إِذَا صَادَفَهُ لِبَاسٌ وَوَطْءٌ وَلِأَنَّ كُلَّ وَطْءٍ تَعَلَّقَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، فَإِنَّهُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ تَقَدَّمَهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَالْوَطْءِ فِي الْحَجِّ وَلِأَنَّهُ أَكْلٌ لَمْ يُفْسِدِ الصَّوْمَ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ كَفَّارَةِ الْوَطْءِ كالمكره على الأكل.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رقبةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ أَفْطَرَ فِيهِمَا ابْتَدَأَهُمَا فَإِنْ لم يستطع فإطعام ستين مداً لكل مسكينٍ بمد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أخبره الواطئ أنه لا يجد رقبةً ولا يستطيع صيام شهرين متتابعين ولا يجد إطعام ستين مسكيناً أتى بعرقٍ فيه تمر (قال) سفيان والعرق المكتل فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أذهب فتصدق به (قال الشافعي) والمكتل خمسة عشر صاعاً وهو ستون مداً ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:

كَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ مُرَتَّبَةٌ بِلَا تَخْيِيرٍ فَيَبْدَأُ بِالْعِتْقِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَمْ يَصُمْ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إِنْ شَاءَ أَعْتَقَ أَوْ صَامَ، أَوْ أَطْعَمَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، أَنْ يَعْتِقَ أَوْ يَصُومَ، أَوْ يُطْعِمَ، وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَعْتِقْ رَقَبَةً فَقَالَ لَا أَجِدُ فَقَالَ صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَقَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ فَقَالَ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا " فَلَمْ يَنْقِلْهُ عَنِ الْعِتْقِ إِلَى الصِّيَامِ إِلَّا بِالْعَجْزِ عَنْهُ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ التَّخْيِيرِ، وَوُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَلِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ الَّذِي أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْتِيبِهَا، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَكْفِيرٍ يَجِبُ بِضَرْبٍ مِنَ الْمَأْثَمِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ شَرْطِ التَّرْتِيبِ أَصْلُهُ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَاتِ فِي الشَّرْعِ ضَرْبَانِ: ضَرْبٌ بُدِئَ فيها بالأغلظ فكان الترتيب فيها واجبا، مثل كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ بُدِئَ فِيهَا بِالْعِتْقِ وَضَرْبٌ بُدِئَ فِيهَا بِالْأَخَفِّ، فَكَانَ التَّخْيِيرُ فِيهَا مُسْتَحَقًّا مِثْلُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>