للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْحَجِّ، قَالُوا: وَلِأَنَّ السَّهْوَ فِي الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ يَقَعُ تَارَةً فِي ابْتِدَاءِ الصَّوْمِ، وَتَارَةً فِي انْتِهَائِهِ، ثُمَّ لَوْ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ فِي اللَّيْلِ، ثُمَّ بَانَ لَهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ عِنْدَ أَكْلِهِ وَجِمَاعِهِ أَفْطَرَ، وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ فَكَذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ صَوْمِهِ قَالُوا: وَلِأَنَّ عَمْدَ الْحَدَثِ وَسَهْوَهُ سَوَاءٌ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ لِتَنَافِيهِمَا، فَكَذَلِكَ الْأَكْلُ وَالْجِمَاعُ فِي الصَّوْمِ يَجِبُ أَنْ يَسْتَوِيَ الْحُكْمُ فِي عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ لِتَنَافِيهِمَا، وَالدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ صَوْمِهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ " وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا آتِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ: " اللَّهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ " وَفِيهِ دَلِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ سَلَبَهُ فِعْلَهُ وَأَضَافَهُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْقَضَاءِ مَعَ جَهْلِ السَّائِلِ بِحُكْمِ فِعْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى صَوْمِهِ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ " فَلَمَّا أَمَرَهُ بِإِتْمَامِ صَوْمِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُفْطِرْ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا الْأَكْلُ عَامِدًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفْسِدَهَا الْأَكْلُ نَاسِيًا كَالصَّلَاةِ، إِذَا أَكَلَ فِيهَا لُقْمَةً نَاسِيًا، وَلِأَنَّهُ مَعْنًى وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ يَخْتَصُّ عَمْدُهُ بِإِفْسَادِ الصَّوْمِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَفْسُدَ بِسَهْوِهِ أَصْلُهُ إِذَا ذَرَعَهُ الْقَيْءُ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ تَارِكُ النِّيَّةِ، لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ، وَلَا تَدْخُلُ عَلَيْهِ الرِّدَّةُ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِالصَّوْمِ، وَلَا تُفْسِدُهُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بِهَا الْإِيمَانُ فَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْعَامِدِ، فَالْمَعْنَى فِيهِ إِمْكَانُ الاحتراز منه أما قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحَجِّ قُلْنَا؛ فِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ لَمْ يَفْسُدْ فَسَقَطَ مَا أَوْرَدُوهُ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ قَدْ فَسَدَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّوَاهِيَ فِي الْحَجِّ ضَرْبَانِ:

ضَرْبٌ اسْتَوَى الْحُكْمُ فِي عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ كَالْحَلْقِ، وَقَتْلِ الصَّيْدِ.

وَضَرْبٌ فُرِّقَ بَيْنَ عَمْدِهِ وَسَهْوِهِ كَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ فَأُلْحِقِ الْجِمَاعُ بِالضَّرْبِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ إِتْلَافٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الصَّوْمُ، لِأَنَّا وَجَدْنَا النَّوَاهِيَ فِيهِ نَوْعًا وَاحِدًا، وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَمْدِ، وَالْخَطَأِ وَهُوَ الْقَيْءُ، فَوَجَبَ أن يكون الجماع والأكل لاحقان، وَأَمَّا جَمْعُهُمْ بَيْنَ النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخْطِئٌ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا مُخْطِئٌ فِي الْفِعْلِ، وَقَدْ وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْخَطَإِ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْخَطَإِ فِي الْأَفْعَالِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ أَخْطَأَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَصَلَّى لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَلَوْ أَخْطَأَ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْحَدَثِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>