للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(فصل:)]

ولو قال: أنت طالق إذا أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا، طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أنها أعطته ألفاً على طلاقها، لأن (إذا) تَخْتَصُّ بِمَاضِي الزَّمَانِ دُونَ مُسْتَقْبَلِهِ، وَ (إِذَا) تَخْتَصُّ بِمُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ دُونَ مَاضِيهِ، فَإِنْ أَنْكَرَتْهُ ذَلِكَ وَطَالَبَتْهُ بِالْأَلْفِ لَزِمَهُ رَدُّهَا، لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِقَبْضِهَا وَمُدَّعٍ اسْتِحْقَاقَهَا فَلَزِمَهُ إِقْرَارُهُ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَاهُ وَيَقَعُ طَلَاقُهُ بَائِنًا، وَإِن رَدَّ الْأَلْفِ لِاعْتِرَافِهِ بِهِ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا بِفَتْحِ الْأَلِفِ، وَلِأَنَّ أن المفتوحة لماضي الزمان دون مستقبله (وإن) بِالْكَسْرِ لِمُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ دُونَ مَاضِيهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كالفرق بين إذ، وإذا، فَإِنْ طَالَبَتْهُ بِالْأَلْفِ عِنْدَ إِنْكَارِهَا لِلْخُلْعِ لَزِمَهُ رَدُّهَا لِاعْتِرَافِهِ بِأَخْذِهَا، وَلَهُ إِحْلَافُهَا عَلَى إِنْكَارِهَا وبالله التوفيق.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَلَكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً فَلَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَلَهُ الْأَلْفُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَلَهُ جَمِيعُ الْأَلْفِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْأَلْفِ، لِأَنَّ الْأَلْفَ جُعِلَتْ عِوَضًا عَلَى مُقَابَلَةِ ثَلَاثَةِ أَعْدَادٍ مُتَسَاوِيَةٍ فَقُسِّطَتْ عَلَيْهَا، وَكَانَ قِسْطُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْأَلْفِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَسْتَحِقَّ بِكُلِّ طَلْقَةٍ مِنْهَا، ثُلُثَ الْأَلْفِ، كَمَا لَوْ أَبَقَ منه ثلاثة أعبد فقال من جائني بِهِمْ فَلَهُ دِينَارٌ فَجِيءَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّينَارِ، لِأَنَّ الدِّينَارَ قَابَلَ ثَلَاثَةَ أَعْدَادٍ مُتَسَاوِيَةً فَتُقسطَ عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا مُتَسَاوِيَةً.

فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ لَوْ قَالَ لَهَا إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَأَعْطَتْهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ لَمْ تُطَلَّقْ بِهَا وَاحِدَةً، وَإِنْ قَابَلَتْ ثُلُثَ الْأَلْفِ فَهَلَّا كَانَ فِي مَسْأَلَتِنَا إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً لم تستحق ثُلُثَ الْأَلْفِ.

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي الْخُلْعِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ، فَجَازَ أَنْ يُقَسَّطَ الْعِوَضُ عَلَى أَعْدَادِ الْمُعَوَّضِ، وَالْمُغَلَّبُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ حُكْمُ الطَّلَاقِ بِالصِّفَةِ، وَالصِّفَةُ إِذَا تَبَعَّضَتْ لَمْ يَتَبَعَّضْ مَا عُلِّقَ بِهَا مِنَ الطَّلَاقِ، وَلَا يَقَعُ إِلَّا بِكَمَالِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا: إِذَا دَخَلْتِ الدَّارَ ثَلَاثًا فَأَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَدَخَلَتْهَا مَرَّةً لَمْ تُطَلَّقْ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ دُخُولَهَا ثَلَاثًا، فَتُطَلَّقَ ثَلَاثًا، فَصَحَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاسْتَحَقَّ بِالطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ ثُلُثَ الْأَلْفِ، لِأَنَّهُ قَدْ مَلَّكَهَا ثُلُثَ مَا سَأَلَتْ، فَاسْتَحَقَّ عَلَيْهَا ثُلُثَ مَا بَذَلَتْ، وَهَكَذَا لَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ اسْتَحَقَّ بِهِمَا ثُلُثَيِ الْأَلْفِ، لِأَنَّهُ قَدْ مَلَّكَهَا ثُلُثَيْ مَا سَأَلَتْ، فَاسْتَحَقَّ عَلَيْهَا ثُلُثَيْ مَا بَذَلَتْ، فَلَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً ونصف طُلِّقَتْ ثِنْتَيْنِ، لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَفِي قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْأَلْفِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: ثلثي الْأَلْفِ، لِأَنَّهَا قَدْ طُلِّقَتْ طَلْقَتَيْنِ مِنْ ثَلَاثِ طلقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>