للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخطر أَوْلَى، وَأَمَّا حَدِيثُ كُرَاعِ الْغَمِيمِ فَمِنَ الْمَدِينَةِ إِلَيْهِ مَسِيرَةُ أَيَّامٍ، وَقِيلَ ذَلِكَ لِلْمُزَنِيِّ فَرَجَعَ عَنْهُ، وَقَالَ أَضْرِبُوا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ، لَمْ يَصِحَّ لَهُمُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا هَلْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ؟ وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَإِنَّمَا جَازَ له الفطر للضرورة الداعية فيما أحدث، بِلَا اخْتِيَارِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ السَّفَرُ، لِأَنَّهُ أَنْشَأَهُ مُخْتَارًا، وَلَمْ تَدْعُهُ الضَّرُورَةُ إِلَى الْفِطْرِ فِيهِ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَنْوِيَ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ يُسَافِرُ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ هَلْ سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ، أَوْ بَعْدَهُ فَهَذَا يَلْزَمُهُ إِتْمَامُ صَوْمِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، لِأَنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ حُدُوثِ السَّفَرِ، وَفِي شَكٍّ مِنْ تَقَدُّمِهِ، وَبِالشَّكِّ لَا تُبَاحُ الرُّخَصُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ لَا يَنْوِيَ الصِّيَامَ أَصْلًا، ثُمَّ يُسَافِرَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَهَذَا يُفْطِرُ لِإِخْلَالِهِ بِالنِّيَّةِ مِنَ اللَّيْلِ، وَعَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْيَوْمِ قَدْ ثَبَتَتْ بِأَوَّلِهِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ بِتَرْكِ النية.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ فَإِنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أحدٌ وَلَا يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِلتُّهْمَةِ بِتَرْكِ فَرْضِ اللَّهِ وَالْعُقُوبَةِ مِنَ السُّلْطَانِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ، فَقَدْ تَعَلَّقَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْعِبَادَةِ وَسَوَاءٌ حَكَمَ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ هِلَالَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ الصِّيَامُ، وَإِنْ كَانَ هِلَالَ شَوَّالٍ لَزِمَهُ الْإِفْطَارُ، وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمَالِكٌ: يَلْزَمُهُ الصِّيَامُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ، وَشَرِيكٌ وَإِسْحَاقُ لَا يَلْزَمُهُ الصِّيَامُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ، بَلْ هُمَا فِي الْحُكْمِ سِيَّانِ، وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) {البقرة: ١٨٥) فَحَتَّمَ الصَّوْمَ عَلَى مَنْ شَهِدَهُ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صوموا لرؤيته وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ " فَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِالرُّؤْيَةِ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَرَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ خَوْفًا مِنَ التُّهْمَةِ، وَعُقُوبَةِ السُّلْطَانِ، وَإِنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ لَزِمَهُ الصِّيَامُ، فَإِنْ جَامَعَ فِيهِ لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ، وَقَالَ أبو حنيفة: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَوْمٌ مَحْكُومٌ بِهِ مِنْ شَعْبَانَ فَوَجَبَ، أَنْ لَا تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ قِيَاسًا عَلَى يَوْمِ الشَّكِّ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ شُبْهَةٌ فَوَجَبَ إِدْرَاءُ الْحَدِّ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ يَوْمٌ لَزِمَهُ صَوْمُهُ مِنْ رَمَضَانَ فَوَجَبَ، أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ، إِذَا هَتَكَ حُرْمَتَهُ بِالْوَطْءِ.

أَصْلُهُ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ، فَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى يَوْمِ الشَّكِّ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ، وَهَذَا يَوْمٌ لزمه صومه عن رمضان.

<<  <  ج: ص:  >  >>