فَأَمَّا الْقسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمُسْلِمُ فَيَلْزَمُ الْإِمَامَ في حقه ثلاثة أحكام:
أحدها: الذب عن ماله ونفسه مِنْ كُلِّ مُتَعَدٍّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي طَاعَةِ الْإِمَامِ وَتَحْتَ قُدْرَتِهِ كَالْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي طَاعَتِهِ وَلَا دَاخِلًا تَحْتَ قُدْرَتِهِ كَالْبُغَاةِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ، لِقَوْلِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ وَيَسْعَى بِذَّمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ) .
وَالثَّانِي: اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ لَهُ إِذَا عَجَزَ عَنِ اسْتِيفَائِهَا بِنَفْسِهِ، سَوَاءً كانت في مال كالدين أَوْ عَلَى بَدَنٍ كَالْقِصَاصِ، وَحَدُّ الْقَذْفِ عَلَى مُسْلِمٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرِ مُسْلِمٍ.
وَالثَّالِثُ: اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَالٍ أَوْ بدن في حق الله تعالى أو للآدميين لِمُسْلِمٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرِ مُسْلِمٍ.
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا القسم الثاني: وهو الذمي فيلزم الْإِمَامَ فِي حَقِّهِ الْأَحْكَامُ الثَّلَاثَةُ كَالْمُسْلِمِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي تَفْصِيلِهَا:
أَحَدُهَا: أَنْ يَذُبَّ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ كُلِّ مُتَعَدٍّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الطَّاعَةِ أَوْ خَارِجًا عَنْهَا كَمَا يَذُبُّ عَنِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ صَارُوا بِالذِّمَّةِ تَبَعًا لِلْمُسْلِمِينَ.
وَالثَّانِي: اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ لَهُمْ إِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَهْلِ ذِمَّتِهِمْ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ عَنْ عُدْوَانٍ كَالْغُصُوبِ فَيَسْتَوْفِيهَا مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ تَمْنَعُ مِنَ التَّغَالُبِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ عَنْ مُعَامَلَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الإمام أو حاكمه لم يعترض لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَإِنْ تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ أَوْ إِلَى حَاكِمِهِ كَفَّهُمْ عَنِ التَّظَالُمِ، وَفِي وُجُوبِ حُكْمِهِ عَلَيْهِمْ قَوْلَانِ مَضَيَا.
وَالثَّالِثُ: اسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ منهم وهو عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مِنْ حقوق الآدميين المحضة.
والثاني: أن تكون من حقوق الله تعالى المحضة.