للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِكٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا كَتَبَ لَهُ إِلَى الْبَحْرِينِ، كَانَ له فِي كِتَابِهِ لَا تَأْخُذْ هَرِمَةً، وَلَا ذَاتَ عَيْبٍ.

وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَلَا تَأْخُذْ هَرِمَةً وَلَا ذَاتَ عوارٍ، وَلِأَنَّ أَمْرَ الزَّكَوَاتِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُعَادَلَةِ بَيْنَ الْمَسَاكِينِ، وَأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَالرِّفْقِ بِهِمَا، فَلَمَّا لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْمَعِيبِ صَحِيحًا رِفْقًا بِرَبِّ الْمَالِ، لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الصَّحِيحِ مَعِيبًا رِفْقًا بِالْمَسَاكِينِ، فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْمَعِيبِ فِيهَا، قِيلَ لِرَبِّ الْمَالِ أنت بالخيار أَنْ تَأْتِيَنَا بِفَرْضِهَا مِنْ غَيْرِهَا، إِمَّا أَرْبَعُ حِقَاقٍ، أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ تُشْبِهُ مَالَكَ، وبين أن نأخذ منك السن الأعلى، أو تعطي السِّنَّ الْأَدْنَى وَتَأْخُذَ، فَإِنْ صَعِدَ إِلَى السِّنِّ الْأَعْلَى وَهُوَ الْجَذَاعُ، صَعِدَ إِلَيْهَا مِنَ الْحِقَاقِ لا من بنات اللبون، لأنه إِذَا صَعِدَ مِنْ بَنَاتِ اللَّبُونِ صَعِدَ إِلَى الْحِقَّةِ وَهِيَ فَرْضُهُ، وَإِنْ أَرَادَ النُّزُولَ نَزَلَ مِنْ بَنَاتِ اللَّبُونِ إِلَى بَنَاتِ الْمَخَاضِ، وَلَا يَنْزِلُ مِنَ الْحِقَاقِ إِلَيْهَا لِمَا ذَكَرْنَا.

فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَإِنْ كَانَ الْفَرْضَانِ مَعِيبَيْنِ بِمَرَضٍ أَوْ هُيَامٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَسَائِرُ الْإِبِلِ صِحَاحٌ، فَيَعْنِي وَبَاقِي الْإِبِلِ صِحَاحٌ، لِأَنَّ لَفْظَةَ سَائِرٍ إِنَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِ كُلٍّ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ، وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِيمَا بَقِيَ حَقِيقَةً، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إذا أكلتم فاسئروا " أي فبقوا وَقَالَ الْأَعْشَى:

(بَانَتْ وَقَدْ أَسْأَرَتْ فِي النَّفْسِ حَاجَتَهَا ... بَعْدَ ائْتِلَافٍ وَخَيْرُ الْقَوْلِ مَا نَفَعَا)

وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِمَا بَقِيَ فِي الْإِنَاءِ سُؤْرٌ.

[مسألة:]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَأْخُذُ مَرِيضًا وَفِي الْإِبِلِ عَدَدٌ صحيحٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ:

إِذَا كَانَتْ إِبِلُهُ صِحَاحًا وَمِرَاضًا لَمْ يَجُزْ أَنْ تُؤْخَذَ زَكَاتَهَا مِرَاضًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الدَّلِيلِ، وَوَجَبَ أَنْ تُؤْخَذَ زَكَاتُهَا مِنَ الصِّحَاحِ اعْتِبَارًا بِقَدْرِ مَالِهِ.

مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ مَعَهُ ثَلَاثُونَ مِنَ الْإِبِلِ نِصْفُهَا صِحَاحٌ وَنِصْفُهَا مِرَاضٌ، يَكُونُ فرضها بنت مخاض، فقال: كَمْ تُسَاوِي بِنْتُ مَخَاضٍ مِنْ مِرَاضِهَا، فَيُقَالُ: مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَيُقَالُ: كَمْ تُسَاوِي بِنْتُ مَخَاضٍ من صِحَاحِهَا، فَيُقَالُ ثَلَاثُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَيُؤْخَذُ نِصْفُ الْمِائَةِ وَهُوَ خَمْسُونَ وَنِصْفُ الثَّلَاثِمِائَةِ وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فتضيفهما فَيَكُونَانِ مِائَتَيْنِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ مِنَ الصِّحَاحِ، وَثَمَنُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ فِيمَا زَادَ وَنَقَصَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>