وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الثَّوْبِ إِذَا شَقَّهُ: إِنَّ مَالِكَهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَرْكِهِ عَلَيْهِ وَأَخْذِ قيمته منه، وبين أخذه وَأَخْذِ أَرْشِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الْغَاصِبِ، فَإِنْ أَخَذَهُ وَأَرَشَهُ قُطِعَ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ مَشْقُوقًا نصاباً كما قلنا، وَإِنْ تَرَكَهُ عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ قِيمَتَهُ لَمْ يقطع؛ لأنه بجعله مالكاً له عند شقه وقبل أخرجه فَلَمْ يُقْطَعْ فِي مِلْكِهِ، وَالْكَلَامُ مَعَهُ فِي أصلها قد مضى.
[(فصل)]
فأما الشَّاةُ إِذَا ذَبَحَهَا فِي الْحِرْزِ وَأَخْرَجَهَا مَذْبُوحَةً قيمتها رُبُعُ دِينَارٍ قُطِعَ، وَضَمِنَ أَرْشَ ذَبْحِهَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ بَعْدَ الذَّبْحِ طَعَامًا رَطْبًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ فِي الطَّعَامِ الرَّطْبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيهِ الْكَلَامُ.
وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ فَزَادَتْ بِالذَّبْحِ حَتَّى بَلَغَتْ رُبُعَ دِينَارٍ ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَفِي قَطْعِهِ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُقْطَعُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمَالِكِ دُونَ الذَّابِحِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُقْطَعُ لِحُدُوثِهَا بِالذَّبْحِ فَلَمْ يَسْتَقِرَّ لِلْمَالِكِ عَلَيْهَا يَدٌ، وَهَكَذَا لَوْ سَرَقَ لَحْمًا فَطَبَخَهُ أَوْ دقيقاً فخبزه، أو دبساً فعقده وَأَخْرَجَهُ وَقَدْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ بِالصَّنْعَةِ نِصَابًا وَكَانَ قَبْلَ الصَّنْعَةِ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ كَانَ قَطْعُهُ على ما ذكرناه مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْمُحْتَمَلَيْنِ.
(فَصْلٌ)
وَلَوْ أَخَذَ جِلْدَ ميتة من الْحِرْزِ وَدَبَغَهُ فِيهِ وَأَخْرَجَهُ مَدْبُوغًا وَقِيَمُتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي بَيِع جِلْدِ الْمَيِّتَةِ بَعْدَ دِبَاغَتِهِ فَمَنَعَ مِنْهُ فِي الْقَدِيمِ، وَأَسْقَطَ الْغُرْمَ عَنْ مُسْتَهْلِكِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا قَطْعَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ قَبْلَ دِبَاغَتِهِ، وَأَجَازَ بَيْعَهُ فِي الْجَدِيدِ، وَأَوْجَبَ غُرْمَ قِيمَتِهِ عَلَى مُسْتَهْلِكِهِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ دَبَغَهُ مَالِكُهُ قُطِعَ فِيهِ وَإِنْ دَبْغَهُ السَّارِقَ بِنَفْسِهِ فَفِي قَطْعِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ.
(فَصْلٌ)
وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ مَجُوسِيًّا فَذَبَحَ الشَّاةَ فِي حِرْزِهَا وَأَخْرَجَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا وَلَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ لَا يُسْتَبَاحُ أَكْلُهَا، فَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا صُوفٌ فَإِنْ صَحَّ مَا حَكَاهُ إِبْرَاهِيمُ الْبَلَدِيُّ عَنِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَجَعَ عَنْ تَنْجِيسِ شَعْرِ الْمَيْتَةِ قَطَعَ فِيهِ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ رُبُعَ دِينَارٍ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ مَا حَكَاهُ فَلَا قَطْعِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ لا قيمة له.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ مَا سَرَقَ رُبُعَ دِينَارٍ ثُمَّ نَقُصَتِ الْقِيمَةُ فَصَارَتْ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ ثُمَّ زَادَتِ الْقِيمَةُ فَإِنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَالِ الَّتِي خَرَجَ بِهَا مِنَ الْحِرْزِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، قِيمَةُ السَّرِقَةِ فِي الْقَطْعِ مُعْتَبِرَةٌ بِوَقْتِ إِخْرَاجِهَا، فَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا ثُمَّ نَقُصَتْ عَنِ النِّصَابِ بَعْدَ إِخْرَاجِهَا قُطِعَ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ