قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لَمَعَانٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الثَّمَرَةَ قَدْ تُحَلِّقُ وَلَا تُحَلِّقُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ عِوَضًا عَلَى عَمَلٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الأجرة غير ثابتة في ذمة وَلَا هِيَ اسْتِحْقَاقُ جُزْءٍ مِنْ عَيْنٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ يَسْتَوْعِبُ الثَّمَرَةَ فَلَا يَحْصُلُ لِرَبِّ النَّخْلِ وَلَا لِلْعَامِلِ شَيْءٌ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الْمُزَنِيُّ رحمه الله تعالى: " وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى وَدِيٍّ لوقتٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لا يثمر إليه لم يجز ".
أَمَّا الْوَدِيُّ فَهُوَ الْفَسِيلُ الَّذِي لَمْ يَحْمِلْ بَعْدُ، فَإِذَا سَاقَى عَلَيْهِ رَجُلًا فَلَا يَخْلُو حَالُ الْفَسِيلِ فِي الْعُرْفِ الْمَعْهُودِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُعْلَمَ فِي غَالِبِ الْعُرْفِ أَنَّهُ يَحْمِلُ فِي مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعْلَمَ بِالْعُرْفِ أَنَّهُ يَحْمِلُ فِي جَمِيعِ سِنِي الْمُسَاقَاةِ فَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلِ الْفَسِيلُ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ عَلَى رَبِّهِ كَمَا لَوْ حَالَ النَّخْلُ الطَّوِيلُ فَلَمْ يَحْمِلْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُعْلَمَ بِالْعُرْفِ أَنَّهُ يَحْمِلُ فِي آخِرِ سِنِي الْمُسَاقَاةِ مِثْلَ أَنْ يُسَاقِيَهُ عَلَى فَسَيْلٍ خَمْسَ سِنِينَ يَعْلَمُ بِغَالِبِ الْعُرْفِ أَنَّهُ يَحْمِلُ فِي الْخَامِسَةِ وَلَا يَحْمِلُ فِيمَا قَبْلَهَا فَفِي الْمُسَاقَاةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بَاطِلَةٌ لِتَفْوِيتِ عَمَلِهِ فِي الْأَعْوَامِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِغَيْرِ بَدَلٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا جَائِزَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ، لِأَنَّ ثَمَرَةَ السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ، كَمَا تَكُونُ الثَّمَرَةُ فِي آخِرِ السَّنَةِ عوضاً عن عمله في أولها.
والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يُعْلَمَ بِغَالِبِ الْعُرْفِ أَنَّ الْفَسِيلَ لَا يَحْمِلُ فِي مُدَّةِ الْمُسَاقَاةِ كُلِّهَا، فَالْمُسَاقَاةُ بَاطِلَةٌ لِعَدَمِ الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَى الْعَامِلِ، فَإِنْ عَمِلَ الْعَامِلُ فِيهَا عَمَلًا، فَعَلَى قَوْلِ الْمُزَنِيِّ: لَا أُجْرَةَ لَهُ، لِأَنَّهُ رَضِيَ بِأَنْ لَا يَأْخُذَ عَلَى عَمَلِهِ بَدَلًا
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى مُسَاقَاةٍ فَاسِدَةٍ، فَلَوْ أَثْمَرَ هَذَا الْفَسِيلُ الَّذِي كَانَ الْعُرْفُ فِي مِثْلِهِ أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ لَمْ تَصِحَّ الْمُسَاقَاةُ بَعْدَ انْعِقَادِهَا عَلَى الْفَسَادِ، وَكَانَتِ الثَّمَرَةُ، وَأُجْرَةُ الْعَامِلِ عَلَى ما مضى من الاختلاف.
والحالة الثَّالِثَةُ: أَنْ يَجُوزَ فِي غَالِبِ الْعُرْفِ أَنْ يَحْمِلَ وَيَجُوزَ أَنْ لَا يَحْمِلَ وَالْأَمْرَانِ عَلَى سَوَاءٍ فَفِي الْمُسَاقَاةِ وَجْهَانِ: