وَإِمَّا لِظُهُورِ قُوَّةٍ مِنْ عَدُوٍّ فِي غَيْرِ جِهَتِهِمْ، فَأَقْرَبُهَا عَلَى مَنْ بِإِزَائِهِمْ يَكُونُ هَؤُلَاءِ أَظْهَرُ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَيَسْتَمِدُّ مِنْهُمْ مَنْ يَدْفَعُ بِهِمْ قُوَّةَ الْآخَرِينَ، ثُمَّ يَعُودُوا بَعْدَ الْفَرَاغِ إِلَى أَمَاكِنِهِمْ، فَإِذَا فَعَلَ الْإِمَامُ هَذَا بِهِمْ زَادَهُمْ نَفَقَةَ مَا تَكَلَّفُوهُ مِنْ زِيَادَةِ سَفَرِهِمْ، فَإِنْ تَزَايَدَتْ قُوَّةُ الْعَدُوِّ فِي إِحْدَى الْجِهَاتِ وَضَعُفَتْ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْجِهَاتِ عَنِ الْمُنَادَاةِ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ الْقَوِيَّةِ جَمِيعَ أَهْلِ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّ فِي كَسْرِهَا كسر لِمَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهَا، وَلَيْسَ فِي كَسْرِ الْأَضْعَفِ كَسْرٌ إِلَيْهَا، وَيَفْعَلُ فِي إِعْطَاءِ الْمَنْقُولِ من زيادة النفقة ما ذكرنا.
[مسألة:]
قال الشافعي: " وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إِعْطَاءِ الذُّرِّيَّةِ وَنِسَاءِ أَهْلِ الْفَيْءِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُعْطَوْنَ وَأَحْسِبُ مِنْ حجتهم فإن لم تفعل فَمُؤنَتُهُمْ تَلْزَمُ رِجَالَهُمْ فَلَمْ يُعْطِهِمُ الْكِفَايَةَ فَيُعْطِيهِمْ كَمَالَ الْكِفَايَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِذَا أُعْطُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا فَلَيْسُوا بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ ذُرِّيَّةِ الْأَعْرَابِ وَنِسَائِهِمْ وَرِجَالِهِمُ الَّذِينَ لَا يُعْطَوْنَ مِنَ الْفَيْءِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
إِذَا مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ مُرْتَزِقٌ وَخَلَفَ ذُرِّيَّةً لَمْ يُدْفَعْ إِلَيْهِ جَمِيعُ عَطَائِهِ، وَفِي إِعْطَائِهِمْ مِنْ قَدْرِ الْكِفَايَةِ، قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الشَّافِعِيُّ خِلَافًا عَنْ أَصْحَابِهِ:
أَحَدُهُمَا: يُعْطَوْنَ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ قَدْرَ كِفَايَتِهِمُ اعْتِبَارًا بِالْمَصْلَحَةِ فِي تَرْغِيبِ أَهْلِ الفيء في الجهاد، ثقة لحفظ الذرية وإلا يتشاغلوا عنه بطلب الكسب لمن يخلفون، أو يجبنوا عن الْجِهَادِ فَلَا يُقْدِمُونَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ؛ لِأَنَّ مَا اسْتُحِقَّ بِهِ الْعَطَاءُ وَهُوَ إِرْصَادُ النَّفْسِ لِلْجِهَادِ مَفْقُودٌ فِيهِمْ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا تَبَعًا فَإِذَا بَطَلَ حُكْمُ الْمَتْبُوعِ بَطَلَ حُكْمُ التَّابِعِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: إِنْ كَانَ فِي الذُّرِّيَّةِ مِنْ أَصَاغِرِ الذُّكُورِ يُرْجَى أَنْ يكون أَهْلِ الْفَيْءِ إِذَا بَلَغَ أُعْطُوا قَدْرَ الْكِفَايَةِ، وَإِلَّا مُنِعُوا فَامْتَنَعَ قَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ تَخْرِيجِ الْقَوْلَيْنِ وَخَرَّجَهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ، وَحَكَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الدَّقَّاقِ.
فَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ اعْتُبِرَتْ أَحْوَالُهُمْ، فَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي مَالِ الْفَيْءِ وَلَا فِي مَالِ الصَّدَقَاتِ، وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ صَارُوا مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَأُعْطُوا مِنْهَا مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.
وَإِذَا قِيلَ: إِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ قَدْرَ الْكِفَايَةِ فَسَوَاءً كَانُوا أَغْنِيَاءَ ذَوِي كِفَايَةٍ أَوْ فُقَرَاءَ ذَوِي حَاجَةٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِمَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً عَلَى مَيِّتِهِمْ مِنْ أَوْلَادِهِ الْأَصَاغِرِ وَزَوْجَاتِهِ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْنَ وَأَقَمْنَ عَلَى رِعَايَةِ الزَّوْجِ فِي حِفْظِ ذُرِّيَّتِهِ، فَإِنْ تَزَوَّجْنَ قُطِعَ عَطَاؤُهُنَّ فَإِذَا بَلَغَ الْأَوْلَادُ خَرَجُوا بِالْبُلُوغِ مِنْ جُمْلَةِ الذُّرِّيَّةِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ أُثْبِتُوا فِي دِيوَانِهِ وَصَارُوا بِأَنْفُسِهِمْ مُرْتَزِقِينَ وَتَبِعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ، وَإِنْ عَدَلُوا عَنْ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ رَغْبَةً فِي غَيْرِهِ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي مَالِ الْفَيْءِ لَا تَبَعًا وَلَا مَتْبُوعِينَ لِخُرُوجِهِمْ مِنَ الذُّرِّيَّةِ بِالْبُلُوغِ وَمِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ بِالْعُدُولِ عَنْهُ وَاللَّهُ أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute