الْخَطَأِ مُخَفَّفَةً يُؤَدِّيهَا مِنْ مَالِهِ، فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَا تَحْمِلُهَا عَنْهُ الْعَاقِلَةُ، لِأَنَّهَا دِيَةُ اعْتِرَافٍ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُمْسِكَ عَنِ الْبَيَانِ، فَيَصِيرُ كَالنَّاكِلِ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْوَلِيِّ فَإِنْ حَلَفَ حُكِمَ لَهُ بِالْقَوَدِ بِيَمِينِهِ لَا بِالشَّهَادَةِ، وَإِنْ نَكَلَ حُكِمَ لَهُ بِدِيَةِ الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ بِالشَّهَادَةِ.
(فَصْلٌ)
وَلَوْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلِ الْقَتْلِ، فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً، سُئِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صِفَةِ الْقَتْلِ الَّذِي شَاهَدَهُ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَيْهَا وَاخْتَلَفَا فِي الْحُكْمِ عِنْدَهُمَا لم تكن فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ تَعَارُضٌ وَوَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِمَا شَهِدَا بِهِ مِنْ صِفَةِ الْقَتْلِ، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا حُكِمَ فِيهِ بِالْقَوَدِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً حُكْمِ فِيهِ بِدِيَةِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْقَتْلِ فَهُوَ تَعَارُضٌ لَا يُحْكَمُ فِيهِ بِعَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ بَعْدُ وَبِاللَّهِ التوفيق.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ غُدْوَةً وَقَالَ الْآخَرُ عَشِيَّةً أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِسَيْفٍ وَالْآخَرُ بِعَصًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَذِّبٌ لِصَاحِبِهِ وَمِثْلُ هَذَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا تَعَارَضَ الشَّاهِدَانِ فَأَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا نَفَاهُ الْآخَرُ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمَا عَلَى فِعْلِ الْقَتْلِ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْقَتْلِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلِ الْقَتْلِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ غُدْوَةً أَوْ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَقَالَ الْآخَرُ قَتَلَهُ عَشِيَّةً أَوْ فِي يَوْمِ الْأَحَدِ، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِسَيْفٍ، وَقَالَ الْآخَرُ بِعَصًا. أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِالْبَصْرَةِ، وَقَالَ الْآخَرُ بِالْكُوفَةِ فَهُمَا وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْقَتْلِ فَقَدْ تَعَارَضَا فِي صِفَتِهِ فَصَارَا مُتَكَاذِبَيْنِ، لِأَنَّ قَتْلَهُ غُدْوَةً، غَيْرُ قَتْلِهِ عَشِيَّةً، وَقَتْلَهَ بِسَيْفٍ غَيْرُ قَتْلِهِ بِعَصًا، فَلَا يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَأٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى أُعَزِّرُ الشَّاهِدَيْنِ وَأَحْكُمُ بِفِسْقِهِمَا لِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى كَذِبٍ مُسْتَحِيلٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ: لَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِمَا وَلَا تَفْسِيقَ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِجَوَازِ الِاشْتِبَاهِ عَلَيْهِمَا، فَيَخْرُجَانِ بِالشُّبْهَةِ عَنِ الفسق، والكذب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute