وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُوسِرَ إِذَا مَطَلَ أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ مِنْهُ جَبْرًا بِالْحَاكِمِ وَالْمُفْلِسُ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْهِبَةِ فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَلْحَقِ الْوَاهِبُ ضرر بفلس من وهب لَمْ يَسْتَحِقَّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِفَلَسِهِ وَلَمَّا لَحِقَ الْبَائِعُ ضَرَرٌ بِفَلَسِ الْمُشْتَرِي اسْتَحَقَّ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ بِفَلَسِهِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِعَيْنِ الْبَائِعِ فَهُوَ أَنْ عَيْنَ الْبَائِعِ لَمَّا لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِعَيْنٍ لَمْ يَنْصَرِفْ دَيْنُهُ إِلَيْهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَائِعُ فِي عَيْنِ مَالِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ)
إِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْبَائِعِ الرُّجُوعَ بِعَيْنِ مَالِهِ عِنْدَ فَلَسِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَاسْتِرْجَاعِهِ لِلْعَيْنِ وَبَيْنَ الْإِمْضَاءِ وَأَنْ يَكُونَ بِالثَّمَنِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ حَرْبَوَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّمَا يَكُونُ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِعَيْنِ مَالِهِ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ ثَمَنِهِ وَيَمْنَعَ الْغُرَمَاءَ مِنْ مُشَارَكَتِهِ فِيهِ كَالرَّهْنِ وَأَمَّا أَنْ يَسْتَحِقَّ الْفَسْخَ وَاسْتِرْجَاعَ السِّلْعَةِ إِلَى مِلْكِهِ فَلَا. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ خَطَأٌ خَالَفَ بِهِ الْإِجْمَاعَ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِ مَالِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَسْتَحِقُّ الْفَسْخَ وَالرُّجُوعَ بِهِ. وَقَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ ثَالِثٌ يُخَالِفُهُمَا فَكَانَ مُطْرِحًا هَذَا مَعَ عُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ ". فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهُ الْفَسْخَ فَهَلْ يَكُونُ خِيَارُ الْفَسْخِ مُسْتَحِقًّا عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَإِنْ أَخَّرَهُ مَعَ الْإِمْكَانِ بَطَلَ خِيَارُهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَعْزِمِ الْحَاكِمُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ كَالْقِصَاصِ الَّذِي لَا يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ عَلَى التَّرَاخِي ثُمَّ لَا يَسْتَحِقُّ الْفَسْخَ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، لِأَنَّهُ خِيَارٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا بِمَاذَا يَكُونُ الْفَسْخُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يكون بصريح القول أو بالفعل كما نفسخ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الثَّلَاثِ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ - أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْفَسْخُ إِلَّا بِالْقَوْلِ الصَّرِيحِ دُونَ الْفِعْلِ بِخِلَافِ الْفَسْخِ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي فِي زَمَانِ الْخِيَارِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ فَجَازَ أَنْ يَفْسَخَ بِالْفِعْلِ وَمِلْكُ الْمُفْلِسِ مُسْتَقِرٌّ فَلَمْ يَصِحَّ أَنْ يَفْسَخَ إِلَّا بِالْقَوْلِ الصَّرِيحِ دُونَ الْفِعْلِ.
[(فصل)]
فأما ما إِنْ كَانَ عَيْنُ مَالِ الْبَائِعِ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ:
إِمَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الرَّقَبَةِ.
أَوْ لَا يَمْنَعُ فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ التَّصَرُّفِ لَمْ يَمْنَعْ مِنَ اسْتِرْجَاعِ الْبَائِعِ لَهُ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي قَدْ أَجَّرَهُ أَوْ يَكُونَ عَبْدًا قَدْ زَوَّجَهُ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ بَعْدَ إِجَارَتِهِ وتزويجه والإجازة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute