قولان: أحدهما أنه لا يكون لهم إلا ما كان للاثنين قبلهم والآخر أن ذلك لهم من قبل أنهم إنما يملكون إذا حلفوا بعد موت الذي جعل لهم ملك إذا مات وهو أصح القولين وبه أقول والله أعلم ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمُقَدِّمَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: هَلْ يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي انْتِقَالِ مَالِكِ الْوَقْفِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْوَاقِفِ عَنْهُ، فَأَحَدُ قَوْلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهِ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِرَقَبَتِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ إِنَّهُ يَنْتَقِلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إِلَى مَالِكٍ كَالْعِتْقِ الَّذِي بِوُجُودِهِ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ بِهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا إِلَى مَالِكٍ وَلِمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ بِأَنَّ الْوَقْفَ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمِلْكِ فِي ضَمَانِهِ بِالْيَدِ وَغُرْمِ قِيمَتِهِ بِالْإِتْلَافِ وَالْعِتْقُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْمِلْكِ، فَلَا يُضْمَنُ بِالتَّلَفِ، وَلَا تُغْرَمُ قِيمَتُهُ بِالْإِتْلَافِ.
فَإِنْ قِيلَ بِالْأَوَّلِ إِنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُوقَفِ عَلَيْهِ حُكِمَ فِي إِثْبَاتِهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ.
وَإِنْ قِيلَ بِالثَّانِي إِنَّ الْمِلْكَ زَائِلٌ عَنْهُ إِلَى غَيْرِ مَالِكٍ، فَفِي إِثْبَاتِهِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، لَا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ كَالْعِتْقِ لِزَوَالِ الْمِلْكِ بِهِمَا إِلَى غَيْرِ مَالِكٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ وَإِنْ زَالَ الْمِلْكُ بِهِمَا إِلَى غَيْرِ مَالِكٍ لِوُقُوعِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَحْكَامَ الْمِلْكِ بَاقِيَةٌ عَلَى الْوَقْفِ فِي ضَمَانِهِ بِالْيَدِ، وَغُرْمِهِ بِالْقِيمَةِ، وَزَائِلٌ عَنِ الْمُعْتِقِ، لِأَنَّهُ لَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ، وَلَا يُغْرَمُ بِالْقِيمَةِ.
وَالثَّانِي: إِنَّ الْمَقْصُودَ بِالْوَقْفِ مِلْكُ مَنَافِعِهِ الَّتِي هِيَ أَمْوَالٌ، وَالْمَقْصُودَ بِالْعِتْقِ كَمَالُ أَحْكَامِهِ فِي مِيرَاثِهِ وَشَهَادَتِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَلِهَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ ثَبَتَ الْوَقْفُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِهِمَا الْعِتْقُ.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صُورَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي حامد