للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِي رَجُلٍ مَاتَ وَخَلَّفَ دَارًا عَلَى وَرَثَةٍ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ وَزَوْجَاتٍ، فَادَّعَى أَحَدُ بَنِيهِ أَنَّ أَبَاهُ وَقَفَ هَذِهِ الدَّارَ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَخَوَيْهِ هَذَيْنِ دُونَ بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَصَدَّقَهُ الْأَخَوَانِ عَلَى الدَّعْوَى، فَيَكُونُ دَعْوَى الْأُخْوَةِ عَلَى أَبِيهِمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِي رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ خَلَّفَ دَارًا عَلَى وَلَدِهِ، فَادَّعَى أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ أَنَّ صَاحِبَهَا وَقَفَهَا عَلَيْهِ، وَعَلَى إِخْوَتِهِ.

وَتَصْوِيرُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ مِنَ الْوَجْهِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ لِلثَّانِي فِي الِاحْتِمَالِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ مُوجِبًا لِلِاخْتِلَافِ فِي حُكْمِهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْأَحْكَامُ بِاخْتِلَافِ الصُّورَةِ، وَنَحْنُ نَذْكُرُهُمَا مَعًا.

فَأَمَّا تَصْوِيرُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ: أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي، إِنَّ أَبِي وَقَفَ دَارَهُ هَذِهِ عَلَيَّ وَعَلَى إِخْوَتِي دُونَ غَيْرِنَا مِنْ شُرَكَائِنَا فِي الْمِيرَاثِ، فَإِذَا انْقَرَضْنَا، فَهِيَ عَلَى أَوْلَادِنَا مَا بَقَوْا، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ إِذَا انْقَرَضُوا، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْبَاقُونَ مِنَ الْوَرَثَةِ كَانَتِ الدَّارُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ يَلْزَمُ الْمُسْتَحِقِّينَ لِوَقْفِهَا مِنَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْبُطُونِ.

وَإِنْ أَنْكَرَ الْبَاقُونَ مِنَ الْوَرَثَةِ أَنْ تَكُونَ وَقْفًا، وَأَقَامَ مُدَّعُوهَا شَاهِدَيْنِ صَارَتْ وَقْفًا بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ، وَإِنْ أَقَامُوا شَاهِدًا وَاحِدًا، وَقِيلَ بِأَنَّ الْوَقْفَ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، لَمْ يَخْلُ حَالُ الْإِخْوَةِ الثَّلَاثَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَحْلِفُوا مَعَ شَاهِدِهِمْ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَنْكُلُوا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَحْلِفَ بَعْضُهُمْ، وَيَنْكُلَ بَعْضُهُمْ، فَإِنْ حَلَفُوا جَمِيعًا كَانَتِ الدَّارُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ، وَمَنْفَعَتُهَا بَيْنَهُمْ عَلَى سَوَاءٍ مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ، لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ مُطْلَقَةٌ كَالْهِبَةِ، وَلَا حَقَّ فِيهَا لِأَوْلَادِهِمْ مَا بَقِيَ أَحَدُهُمْ، لِأَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِي تَرْتِيبِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي، فَإِنْ مَاتَ الْإِخْوَةُ الثَّلَاثَةُ لَمْ يَخْلُ انْقِرَاضُهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعًا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ أَوْ يَنْقَرِضُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَإِنِ انْقَرَضُوا مَعًا انْتَقَلَ الْوَقْفُ إِلَى أَوْلَادِهِمْ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ لَهُ هَلْ يَكُونُ بِأَيْمَانِهِمْ أَوْ بِأَيْمَانِ آبَائِهِمْ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ إِنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَهُ إِلَّا بِأَيْمَانِهِمْ مَعَ شَاهِدِ آبَائِهِمْ، لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهُ عَنِ الْوَاقِفِ لَا عَنْ آبَائِهِمْ، فَلَمَّا اسْتَحَقَّهُ الْآبَاءُ بِأَيْمَانِهِمْ وَجَبَ أَنْ يَسْتَحِقَّهُ الأبناء بأيمانهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>