قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا الْفَصْلُ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ عَلَى حُكْمٍ، وَعَلَى سُؤَالٍ، وَعَلَى جَوَابٍ.
فَأَمَّا الْحُكْمُ فَيَشْتَمِلُ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ.
وَالثَّانِيَةُ: الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْوَلَاءِ.
فَأَمَّا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ، وَثَالِثٌ حَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ عَنْهُ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطَ لَازِمٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ أَبُو ثَوْرٍ أَنَّ الْبَيْعَ وَالشَّرْطَ بَاطِلَانِ، وَهُوَ أَقْيَسُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَقَدْ مَضَى تَوْجِيهُ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ.
فَأَمَّا الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْوَلَاءِ فَالشَّرْطُ فِي الْوَلَاءِ بَاطِلٌ، وَفِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ شَرْطِ الْعِتْقِ وَشَرْطِ الْوَلَاءِ، أَنَّ فِي شَرْطِ الْعِتْقِ قُرْبَةً، فَجَازَ لِأَجْلِهَا أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَيَلْزَمَ الشَّرْطُ، وَلَيْسَ فِي شَرْطِ الْوَلَاءِ قُرْبَةٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمُوجِبِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فَبَطَلَ، وَجَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِهِ الْبَيْعُ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا السُّؤَالُ فَقَدْ أَفْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَجَابَ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ بَاطِلًا فَلِمَ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي اشْتِرَاطِهِ مَعَ فَسَادِهِ وَحَظْرِهِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ فِي فَاسِدٍ وَلَا مَحْظُورٍ، فَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِجَوَابَيْنِ، وَأَجَابَ الْمُزَنِيُّ عَنْهُ بِجَوَابٍ ثَالِثٍ، وَأَجَابَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِجَوَابٍ رَابِعٍ، وَأَجَابَ أَبُو عَلِيٍّ الظَّهْرِيُّ بِجَوَابٍ خَامِسٍ وَحَكَى أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ جَوَابًا سَادِسًا. فَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ لِلشَّافِعِيِّ فَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ (وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ) زِيَادَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَمْ يَرْوِهَا فَكَانَ تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْلَى مِنَ الْأَخْذِ بِهَا لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: إِنْكَارُ الرُّوَاةِ لَهَا.
وَالثَّانِي: مَنْعُ الشَّرْعِ مِنْهَا.
وَالثَّالِثُ: صِفَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّتِي لَا يَجُوزُ مِثْلَ ذَلِكَ مَعَهَا لِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي حَقِّهِ أَشَدَّ، وَعَلَى أَهْلِهِ فِيهِ أَغْلَظُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي مَحْظُورٍ عَلَيْهِمْ وَغُرُورٍ لِغَيْرِهِمْ، فَهَذَا جَوَابٌ.