للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْمَرَضِ الَّذِي تَجُوزُ فِيهِ الْعَطِيَّةُ وَلَا تجوز والمخوف غير المرض

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " كُلُّ مَرَضٍ كَانَ الْأَغْلَبُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْتَ مَخُوفٌ عَلَيْهِ فَعَطِيَّتُهُ إِنْ مَاتَ فِي حُكْمِ الْوَصَايَا وَإِلَّا فَهُوَ كَالصَّحِيحِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَا يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَصَايَاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَالثَّانِي: عَطَايَاهُ الْمُنْجَزَةُ فِي حَيَاتِهِ.

فَأَمَّا الْوَصَايَا: فَهِيَ مِنَ الثُّلُثِ، سَوَاءٌ أَوَصَى بِهَا فِي صِحَّةٍ أَوْ مَرَضٍ. فَإِنِ اتَّسَعَ الثُّلُثُ لِجَمِيعِهَا أُمْضِيَتْ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ فِيهَا اعْتِرَاضٌ، وَإِنْ ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا: رُدَّ الْفَاضِلُ عَلَى الثُّلُثِ إِنْ لَمْ يُجِزْهُ الورثة ويحاص أهل الوصايا الورثة بِالثُّلُثِ. وَسَوَاءٌ مَنْ تَقَدَّمَتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ أَوْ تَأَخَّرَتْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ عِتْقٌ، فَيَكُونُ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَى الْوَصَايَا قَوْلَانِ.

وَأَمَّا الْعَطَايَا الْمُنْجَزَةُ فِي الْحَيَاةِ: فَكَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْمُحَابَاةِ وَالْعِتْقِ، وَالْوَقْفِ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ فِي الصِّحَّةِ. وَالثَّانِي: مَا كَانَ فِي الْمَرَضِ.

فَأَمَّا عَطَايَا الصِّحَّةِ فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ، سَوَاءٌ قَرُبَ عَهْدُهَا بِالْمَوْتِ أَوْ بَعُدَ.

وَأَمَّا عَطَايَا الْمَرَضِ فَالْمَرَضُ يَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

قِسْمٌ يَكُونُ غَيْرَ مَخُوفٍ: كَوَجَعِ الضِّرْسِ، وَرَمَدِ الْعَيْنِ، وَنُفُورِ الطِّحَالِ، وَحُمَّى يَوْمٍ، فَالْعَطَايَا فِيهِ: مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، لأن الإنسان مطبوع على أحوال متغايرة ولا يَبْقَى مَعَهَا عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَخْلُو في تغييره واستحالته فإن أعطى في هذه الحالة كانت عطيته من رأس ماله، مثاله كَالصَّحِيحِ، وَإِنْ مَاتَ عُقَيْبَ عَطِيَّتِهِ، لِأَنَّ حُدُوثَ الموت بغيره فهذا هو قِسْمٌ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: حَالُ الْمُعَايَنَةِ، وَحشرجَةُ النَّفْسِ، وَبُلُوغُ الرُّوحِ التَّرَاقِيَ، فَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ فِيهَا حُكْمُ قَلَمٍ، وَلَا يَكُونُ لِقَوْلِهِ حُكْمٌ، لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَوْتَى وَإِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ حَرَكَةَ الْمَذْبُوحِ، وَكَذَلِكَ مَنْ شُقَّ بَطُنُهُ وَأُخْرِجَتْ حَشْوَتُهُ لا يحكم بقوله ووصيته في هذه الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ أَوْ يَتَكَلَّمُ لِأَنَّ الباقي منه كحركة المذبوح بعد الذبح.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْمَرَضُ الْمَخُوفُ الَّذِي الْحَيَاةُ فِيهِ بَاقِيَةٌ وَالْإِيَاسُ مِنْ صَاحِبِهِ وَاقِعٌ كَالطَّوَاعِينِ، وَالْجِرَاحِ النَّافِذَةِ، فَعَطَايَاهُ كُلُّهَا مِنْ ثُلُثِهِ، سَوَاءٌ كَانَ هِبَةً أَوْ مُحَابَاةً أَوْ عِتْقًا.

وَقَالَ دَاوُدُ بن علي: العتق كله مِنَ الثُّلُثِ، لِلْخَبَرِ فِيهِ وَمَا سِوَاهُ مِنْ رأس المال.

<<  <  ج: ص:  >  >>