بِوِلَادَةِ الثَّانِي فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يَكُونُ نِفَاسُهَا مِنْ حِينِ رَأَتِ الدَّمَ مَعَ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي يَكُونُ أَوَّلُهُ بَعْدَ وِلَادَةِ الثَّانِي.
(فَصْلٌ)
: وَإِنْ رَأَتِ الدَّمَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى الْوِلَادَةِ فَهُوَ دَمُ نِفَاسٍ سَوَاءٌ كان اسوداً ثخيناً، أو كان أصفر رقيقاً فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَغَيْرِهَا لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ بخلاف الحيض؛ لأن الولادة شاهر للنفاس، فلم يحتج إلى اعتبار شاهر فِي الدَّمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَيْضُ فَإِنِ اتَّصَلَ إِلَى سِتِّينَ يَوْمًا، فَكُلُّهُ نِفَاسٌ فَإِنِ انْقَطَعَ الدَّمُ فِي أَثْنَاءِ نِفَاسِهَا، وَلَمْ يَتَّصِلْ كَأَنَّهَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ يَوْمًا ثُمَّ انْقَطَعَ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ تَلْفِيقِ الْحَيْضِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ جَمِيعَهُ نِفَاسٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّ أَيَّامَ الدَّمِ نِفَاسٌ، وَأَيَّامَ النَّقَاءِ طُهْرٌ، فَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا، وَخَمْسَةَ أَيَّامٍ نَقَاءً حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ يَوْمًا كَانَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا، فَإِنِ اتَّصَلَ النَّقَاءُ فِي أَثْنَاءِ الدَّمِ حَتَّى بَلَغَ طُهْرًا كَامِلًا كَأَنَّهَا رَأَتْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا دَمًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا، وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ هَلْ يَكُونُ طُهْرًا فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَقَاطِعًا لِلنِّفَاسِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ قَاطِعٌ لِلنِّفَاسِ، وَفَاصِلٌ بَيْنَ الدَّمَيْنِ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ مُعْتَبَرٌ بِالْحَيْضِ، فَلَمَّا كَانَ الطُّهْرُ الْكَامِلُ فِي الْحَيْضِ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي النِّفَاسِ أَيْضًا فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الدَّمُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا نِفَاسًا، وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ النَّقَاءُ طُهْرًا، وَالدَّمُ الثَّانِي وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ حَيْضًا فَإِنْ زَادَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَقَدْ دَخَلَتِ الِاسْتِحَاضَةُ فِي حَيْضِهَا فَصَارَتْ مُسْتَحَاضَةً وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ هَذَا الطُّهْرَ غَيْرُ قَاطِعٍ لِلنِّفَاسِ وَلَا فَاصِلٌ بَيْنَ الدَّمَيْنِ؛ لِأَنَّ النِّفَاسَ لَمَّا خَالَفَ الْحَيْضَ فِي أَقَلِّهِ وَأَكْثَرِهِ خَالَفَهُ فِي الطُّهْرِ الَّذِي فِي خِلَالِ دَمِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الزَّمَانُ نِفَاسًا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَيَكُونُ الطُّهْرُ الَّذِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ مِنَ التَّلْفِيقِ.
: فَإِنِ اتَّصَلَ دَمُ نِفَاسِهَا حَتَّى تَجَاوَزَ سِتِّينَ يَوْمًا، فَلَا يَخْلُو حَالُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَادَةٌ فَي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ أَوْ مُبْتَدَأَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فِي النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ، فَمَا تَجَاوَزَ السِّتِّينَ يَوْمًا اسْتِحَاضَةٌ، وَلَيْسَ بِحَيْضٍ لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِيهِ، لِأَنَّ يَقِينَ النِّفَاسِ يَغْلِبُ عَلَى شَكِّ الْحَيْضِ، فَعَلَى هَذَا تَصِيرُ الِاسْتِحَاضَةُ دَاخِلَةً فِي النِّفَاسِ، وَلَهَا ثَلَاثَةُ أحوال:
الأول: حال يكون لها تمييز.
الثاني: وحال يكون لها ولا عادة.
الثالث: وحال يكون مُبْتَدَأَةً لَيْسَ لَهَا تَمْيِيزٌ وَلَا عَادَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَهَا تَمْيِيزٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute