للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِأَنَّ الْحَوْلَ فِي الشَّرْعِ أَصْلٌ مُعْتَبَرٌ فِي الزَّكَاةِ وَالْحُرِّيَّةِ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي اللُّقَطَةِ وَلِأَنَّ الْحَوْلَ جَمِيعُ فُصُولِ الْأَزْمِنَةِ الْأَرْبَعَةِ وَيَنْتَهِي إِلَى مِثْلِ زَمَانِ وُجُودِهَا فَكَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا دُونَهُ تَقْصِيرًا وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ. فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمره أن يعرفها حولا ثم حولا ثمحولا فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنِ اخْتَارَ ذَلِكَ فَسَأَلَهُ عَنِ الْجَوَازِ دُونَ الْوُجُوبِ. وَالثَّانِي: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُعَرِّفَهَا حَوْلًا فَكَانَ الْحَوْلُ وَاحِدًا وَالْأَمْرُ بِهِ ثَلَاثًا.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ أَحْمَدَ عَلَى الشَّهْرِ بِالْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ حَوْلِهِ شَهْرٌ. وَأَمَّا مَنِ اسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ أَمَرَ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يُعَرِّفَهُ ثَلَاثًا فَعَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: حَمْلُهُ عَلَى الْأَمْرِ ثَلَاثًا بِالتَّعْرِيفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَمَرَهُ بِتَعْرِيفِهِ بِنَفْسِهِ ثَلَاثًا لِيَسْتَكْمِلَ غَيْرُهُ مُدَّةَ التَّعْرِيفِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ مِنْ ضَرُورَتِهِ مَا أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ بُلُوغِ أَجَلِهِ فَإِنَّ لِلْمُضْطَرِّ أَنْ يَسْتَبِيحَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ مَا يَدْفَعُ بِهِ ضَرُورَةَ وَقْتِهِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ حَيْثُ قَالَ:

(إِذَا صَادَفَ الْمَلِكَ دِينَارٌ ... وَقَدْ حَلَّتْ لَهُ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ اللُّقَطْ)

(دِينَارُكَ اللَّهُ تَوَلَّى نَقْشَهُ ... كَذَلِكَ الْحِنْطَةُ مِنْ خَيْرِ الْحِنَطْ)

فَإِذَا وَجَبَ تَعْرِيفُهَا حَوْلًا بِمَا ذَكَرْنَا فَأَوَّلُ وَقْتِ الْحَوْلِ مِنِ ابْتِدَاءِ التَّعْرِيفِ لَا مِنْ وَقْتِ الْوُجُودِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَدِيمَ تَعْرِيفَهَا فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ وَلَكِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَشِيعَ أَمْرَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَا سِيَّمَا فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ وَأَوَّلِهِ ثُمَّ يَصِيرُ التَّعْرِيفُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى يَصِيرَ فِي الْأُسْبُوعِ مَرَّةً لَا يُقَصِّرُ عَنْهَا فَلَوْ عَرَّفَهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْ تَعْرِيفِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَوْفٍ لِمُدَّةِ التَّعْرِيفِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ أُخْرَى لِيَسْتَكْمِلَ الْحَوْلَ فِي تَعْرِيفِهَا ثُمَّ يَنْظُرَ حَالَهُ عِنْدَ إِمْسَاكِهِ لَهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ تَعْرِيفِهَا فَإِنْ كَانَ قَدْ نَوَى تَمَلُّكَهَا فَقَدْ ضَمِنَهَا وَلَا يَصِيرُ مَالِكًا لَهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ تَمَلُّكَهَا فَهَلْ يَصِيرُ ضَامِنًا لَهَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قَدْ ضَمِنَهَا لِأَنَّ إِمْسَاكَهُ عَنِ التَّعْرِيفِ تَقْصِيرٌ وَالثَّانِي: لَا يُضَمِّنُهَا لِأَنَّ إِتْيَانَهُ بِالتَّعْرِيفِ يُوجِبُ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَ جَمِيعِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ تَقْصِيرًا وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا مَكَانُ التَّعْرِيفِ فَفِي مَجَامِعِ النَّاسِ وَمَحَافِلِهِمْ مِنَ الْبَلَدِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ وَإِنْ وَجَدَهَا وَاجِدُهَا فِي صَحْرَاءَ قفرا أو على حادتها مِنَ الْبِلَادِ الْمُقَارِبَةِ لَهَا، وَلْيَكُنْ تَعْرِيفُهَا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فَقَدْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّتَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاشِدُ غَيْرُكَ الْوَاجِدُ وَلْيُكْثِرْ مِنْ تَعْرِيفِهَا فِي مَحَاطِّ الرِّجَالِ وَمُنَاخِ الْأَسْفَارِ وَفِي الْأَسْوَاقِ فَأَمَّا الضَّوَاحِي الْخَالِيَةُ فَلَا يَكُونُ إِنْشَادُهَا فِيهِ تَعْرِيفًا.

وَرَوَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَيَكُونُ أَكْثَرُ تَعْرِيفِهَا فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي أَصَابَهَا فِيهِ. وَرَوَى الرَّبِيعُ عَنْ أَنَّهُ قَالَ فِي الْجَمَاعَةِ الَّتِي أَصَابَهَا فِيهَا فَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَنْسِبُ المزني

<<  <  ج: ص:  >  >>