للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غُسْلِ الْمَيِّتِ وَإِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ وَثَبَتَ فَإِنَّ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مَنْ أَخْرَجَ لِصِحَّتِهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ طَرِيقًا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ وَاجِبًا؛ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ.

وَالثَّانِي: يَكُونُ مَعَ ثُبُوتِ الْأَمْرِ بِهِ اسْتِحْبَابًا لِاحْتِمَالِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ اسْتِحْبَابًا وَإِمَّا وَاجِبًا، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ هَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ هُوَ بِمَعْقُولِ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا فَعَلَ اسْتِسْلَامًا لِلشَّرْعِ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطِّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ، وَأَبِي الْعَبَّاسِ أن المعنى فيه نَجَاسَةِ الْمَيِّتِ، وَالْغُسْلُ مِنَ الْأَنْجَاسِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ يَابِسًا وَوَاجِبٌ إِنْ كَانَ رَطْبًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ حُرْمَةُ الْمَيِّتِ كما تلزم الطهارة لملامسة النساء الأحياء لحرمتين لِيُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ عَلَى أَكْمَلِ طَهَارَةٍ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَإِنْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ، فَهُوَ لَا مَحَالَةَ مُقَدَّمٌ عَلَى غُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهِ فَفِي تَأْكِيدِهِ عَلَى غُسْلِ الْجُمُعَةِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ أَوْكَدُ سُنَّةً؛ لِثُبُوتِ الْخَبَرِ فِيهِ وَاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي وُجُوبِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ أَوْكَدُ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ، لِوُقُوفِ الْخَبَرِ عَلَى الصِّحَّةِ وَتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الواجب والسنة.

[(فصل)]

: فأما المزني فإنه أنكره وَمَنَعَ مِنْ ثُبُوتِ حُكْمِهِ حَتْمًا أَوْ نَدْبًا تَعَلُّقًا بِأَنَّ مَنْ مَسَّ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا لَمْ يَتَوَضَّأْ فَكَيْفَ يَتَوَضَّأُ مِنْ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَمَعَ مَا فَرَّقَتِ السُّنَّةُ بَيْنَهُمَا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ يَرْفُضُ الْأُصُولَ، لِأَنَّ مَنْ مَسَّ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً تَوَضَّأَ، وَمَنْ مَسَّ مَيْتَةً أَوْ خِنْزِيرًا لَمْ يَتَوَضَّأْ، وَمَنْ مَسَّ ذَكَرَ مُؤْمِنٍ تَوَضَّأَ وَلَوْ مَسَّ بَوْلًا أَوْ عَذِرَةً لَمْ يَتَوَضَّأْ فَكَيْفَ يمنع من تسليم أَنْ يَكُونَ الشَّرْعُ وَارِدًا بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الْمَيْتَةِ دُونَ الْخِنْزِيرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>