للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الثَّلَاثِ، فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْإِصَابَةُ شَرْطًا فِيهِ كَانَتْ رَافِعَةً لَهُ، وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِيمَا دُونَهَا فَلَمْ يَرْفَعْهُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ مَا قَوِيَ عَلَى رَفْعِ الْأَكْثَرِ كَانَ عَلَى رَفْعِ الْأَقَلِّ أَقْوَى، فَهُوَ أَنَّ الْإِصَابَةَ عِنْدَنَا لَا تَرْفَعُ الثَّلَاثَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا تَرْفَعُ تَحْرِيمَهَا، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ تَحْرِيمٌ، عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ غَيْرُ مُسْتَمِرٍّ عَلَى مَذْهَبِ أبي حنيفة لأنه جَعْلَهُ قَدْ يَجْعَلُ الشَّيْءَ مُؤَثِّرًا فِي الْأَكْثَرِ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ فِي الْأَقَلِّ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى. فَمِنْهَا أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَتَحَمَّلُ جَمِيعَ الدِّيَةِ وَلَا تَتَحَمَّلُ مَا دُونُ الْمُوضِحَةِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ بَائِنٌ يَنْوِي بِهَا الثَّلَاثَ، كَانَتْ ثَلَاثًا وَلَوْ نَوَى اثْنَتَيْنِ كَانَتِ وَاحِدَةً، فَجَعَلَ النِّيَّةَ مُؤَثِّرَةً فِي الثَّلَاثِ غَيْرَ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْأَقَلِّ. وَمِنْهَا أَنَّ الْقَهْقَهَةَ فِي الصَّلَاةِ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَالطَّهَارَةَ، وَفِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لَا تُبْطِلُ الطَّهَارَةَ، فَجَعَلَهَا مُؤَثِّرَةً فِي الْأَكْثَرِ غَيْرَ مُؤَثِّرَةٍ فِي الْأَقَلِّ، فَفَسَدَ بِهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ: فِي فُرُوعِ الطَّلَاقِ)

وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ جَارِيَةَ أَبِيهِ تَزْوِيجًا صَحِيحًا، لأنه يخاف العنث، أو لأنه عبد، وإن لم يخف العنث فَقَالَ لَهَا: إِنْ مَاتَ أَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَاتَ أَبُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لِكَوْنِهِ عَبْدًا، طُلِّقَتْ بِمَوْتِهِ، لِوُجُودِ الصِّفَةِ، وَإِنْ كَانَ وَارِثًا لِكَوْنِهِ حُرًّا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهَا أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَتِهَا فَفِي طَلَاقِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ: لَا يُطَلِّقُ، لِأَنَّهُ إِذَا وَرِثَهَا انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِالْمِلْكِ، وَزَمَانُ الْفَسْخِ وَزَمَانُ الطَّلَاقِ سَوَاءٌ، فَوَقَعَ الْفَسْخُ وَلَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ كَقَوْلِهِ لَهَا: إِذَا مُتُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَاتَ لَمْ تُطَلَّقْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ أَنَّهَا تُطَلَّقُ وَلَا يَقَعُ الْفَسْخُ بِالْمِلْكِ، لِأَنَّ صِفَةَ الطَّلَاقِ تُوجَدُ عَقِيبَ الْمَوْتِ وَهُوَ زَمَانُ الْمِلْكِ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ الْفَسْخُ، فَصَارَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي زَمَانِ الْمِلْكِ لَا فِي زَمَانِ الْفَسْخِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَقَعِ الْفَسْخُ.

وَإِنْ كَانَ عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِقِيمَةِ الْجَارِيَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي التَّرِكَةِ إِذَا أَحَاطَ بِهَا الدَّيْنُ، هَلْ تَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ إلى ملكهم، وتكون لأرباب الذين دُونَهُمْ، فَعَلَى هَذَا تُطَلَّقُ لِوُجُودِ شَرْطِ الطَّلَاقِ وَعَدَمِ شَرْطِ الْفَسْخِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>