وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْإِحْرَامُ مَوْقُوفًا عَلَى تَعْيِينِ النسك جاز أن يكون موقوفاً على تعيين الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَجُّ وَاقِعًا عَنِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ إِذَا عَيَّنَهُ وَلِلْأَجِيرِ جَمِيعُ الأجرة.
مسألة: قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ وَقَّتَ لَهُ وَقْتًا فَأَحْرَمَ قَبْلَهُ فَقَدْ زاده وَإِنْ تَجَاوَزَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَرَجَعَ مُحْرِمًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَعَلَيْهِ دمٌ مِنْ مَالِهِ وَيَرُدُّ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا تَرَكَ وما وجب عليه من شيء يفعله فمن ماله دون مال المستأجر ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ وَمَا يُحْتَاجُ إِلَى تَعْيِينِهِ فِي الْعَقْدِ فَإِذَا تَضَمَّنَ الْعَقْدُ تَعْيِينَ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا فخالف الأجير فيها فخلافه إن تعين له ميقاتاً فيحرم من غيره، أو تعيين له نسكاً فيحرم بغيره، أو تعين له عاماً فيحرم بغيره أو تعين لَهُ شَخْصًا فَيُحْرِمُ عَنْ غَيْرِهِ فَيَبْدَأُ بِالْمِيقَاتِ وَإِنْ كَانَ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ أَلْيَقَ، لِأَنَّهُ مُتَصَوِّرُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا عُيِّنَ لَهُ مَوْضِعُ الْإِحْرَامِ لَمْ يَخْلُ حَالُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مِيقَاتِ الْبَلَدِ، أَوْ قَبْلَ مِيقَاتِ الْبَلَدِ، أَوْ بَعْدَ مِيقَاتِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ مِيقَاتِ الْبَلَدِ فَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَا تَجُوزُ مُجَاوَزَتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ تَقَدُّمُهُ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ مِيقَاتِ الْبَلَدِ فَقَدْ لَزِمَ الْأَجِيرَ الْإِحْرَامُ مِنْهُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا بِالشَّرْعِ وَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ مَعْلُومٌ وَإِنْ أَحْرَمَ الْأَجِيرُ مِنْ مِيقَاتِ الْبَلَدِ كَانَ حَسَنًا وَبِالزِّيَادَةِ مُتَطَوِّعًا وَقَدْ سَقَطَ بِهَا عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ دَمًا وَإِنْ أَحْرَمَ بَعْدَ الْمِيقَاتِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَمَرَهُ فَقَدْ فَعَلَ مَا لَزِمَهُ بِالْعَقْدِ دُونَ الشَّرْعِ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَمٌ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ دُونَ الْأَجِيرِ لِأَنَّ الْأَجِيرَ قَدْ فَعَلَ مَا لَزِمَهُ بِالْعَقْدِ وَالْمُسْتَأْجِرُ تَارِكٌ لِمَا لَزِمَهُ بِالشَّرْعِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ الدَّمُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دُونَ الْأَجِيرِ. فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْأَجِيرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَقَدْ أَدَّى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُحْرِمَ قَبْلَهُ فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ وتطوع بالزيادة.
والثالث: أن يحرم بعده فهذه عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعُودَ مُحْرِمًا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أُمِرَ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَالْكَلَامُ فِيهَا يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ الدَّمِ بِالْمُجَاوَزَةِ.
وَالثَّانِي: رَدُّ مَا قَابَلَ ذَلِكَ مِنَ الْأُجْرَةِ.
فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَعْيِينِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ بَعْدَهُ كَأَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِحْرَامِ مِنَ الْبَصْرَةِ فَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهَا وَأَحْرَمَ بَعْدَهَا إِمَّا مِنْ مِيقَاتِ الْبَصْرَةِ أَوْ قَبْلَ مِيقَاتِ الْبَصْرَةِ أَوْ بَعْدَ مِيقَاتِ الْبَصْرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute