بِصِغَرٍ تَحَصَّنَ الْكَامِلُ مِنْهُمَا، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْحَدِّ مُعْتَبَرًا بِنَفْسِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَصَانَةِ بِمَثَابَتِهِ مُعْتَبَرًا بِنَفْسِهِ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَمْ يَخْلُ حَالُ الزَّانِيَيْنِ مِنْ خَمْسَةِ أقسام:
أحدهما: أَنْ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ فَيُرْجَمَانِ مَعًا، وَيَسْتَوِي فِيهِ الزاني والزانية على ما سنصفه في الرَّجْمِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَا بِكْرَيْنِ فَيُجْلَدَانِ معاً على ما سنصفه في الْجَلْدِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا، وَالْآخَرُ بِكْرًا، فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ مِنْهُمَا، وَيُجْلَدُ الْبِكْرُ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَقْصُرَا عَنْ حُكْمِ الْمُحْصَنِ والبكر بصغر أو جنون يزيل القلم عنها، فَلَا حَدَّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُعَزَّرُ الصَّبِيُّ مِنْهُمَا دُونَ الْمَجْنُونِ إِنْ كَانَ يُمَيِّزُ أَدَبًا كَمَا يُؤَدَّبُ فِي مَصَالِحِهِ حَتَّى لَا يَنْشَأَ عَلَى الْقَبَائِحِ.
وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْحَدِّ إِمَّا مُحْصَنًا أَوْ بِكْرًا، وَالْآخَرُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْحَدِّ إِمَّا صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، فَيُحَدُّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِّ زَانِيًا كَانَ أَوْ زَانِيَةً وَيَسْقُطُ الْحَدُّ عَمَّنْ لَيْسَ مَنْ أَهِلِهِ زَانِيًا كَانَ أَوْ زَانِيَةً وَلَا يَكُونُ سُقُوطُهُ عَنْ أَحَدِهِمَا مُوجِبًا لِسُقُوطِهِ عَنِ الْآخَرِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: سُقُوطُ الْحَدِّ عَنِ الزَّانِيَةِ لَا يُوجِبُ سُقُوطُهُ عَنِ الزاني، وسقوطه عن الزاني لا يوجب سقوطه عن الزانية، فيحد العاقل إذا زنا بالمجنونة، وَلَا تُحَدُّ الْعَاقِلَةُ إِذَا زَنَتْ بِمَجْنُونٍ احْتِجَاجًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ وَطْءَ الْمَجْنُونِ لَيْسَ بِزِنًا؛ لِأَنَّ مَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا لَمْ يَكُنْ زانياً، والمجنون جاهل بتحريم الزنا فلم يك وطئه زِنًا، وَالتَّمْكِينُ مِمَّا لَيْسَ بِزِنًا لَا يَكُونُ زِنًا فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الْحَدُّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَاطِئَ مَتْبُوعٌ؛ لِأَنَّهُ فَاعِلٌ، وَالْمَوْطُوءَةُ تَابِعَةٌ، لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ فَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنِ الْفَاعِلِ الْمَتْبُوعِ سَقَطَ عَنِ التَّابِعِ الْمُمْكِنِ؛ لِأَنَّ الْمَتْبُوعَ أَصْلٌ وَالتَّابِعَ فَرْعٌ فَاسْتَحَالَ ثُبُوتُ الْفَرْعِ مَعَ ارْتِفَاعِ أَصْلِهِ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنْ كُلَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا بِوَطْئِهَا إِذَا مَكَّنَتْ عَاقِلًا وَجَبَ عَلَيْهَا بِوَطْئِهَا إِذَا مَكَّنَتْ مَجْنُونًا كَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ فِي وَطْءِ رَمَضَانَ، وَلِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنِ الْوَاطِئِ لمعنى يخصه لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ عَنِ الْمَوْطُوءَةِ كَالْمُسْتَأْمَنِ الْحَرْبِيِّ إذا زنا بِمُسَلِّمَةٍ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ دُونَهُ، وَلِأَنَّ كُلَّ سبب لو اختص بالموطوءة لم يمنع وجوبه الْحَدَّ عَلَى الْوَاطِئِ وَجَبَ إِذَا اخْتَصَّ بِالْوَاطِئِ أَنْ لَا يُمْنَعَ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ كَاعْتِقَادِ الشُّبْهَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ حُكْمُ الموطوءة بالواطئ في حقه الْحَدِّ إِذَا زَنَتِ الْحُرَّةُ بِعَبْدٍ