فَأَمَّا عِلْمُهُ بِالْقِيَافَةِ، فَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِيهِ وَمُخْتَبَرًا عَلَيْهِ، وَاخْتِبَارُهُ فِيهِ أَنْ يُجَرَّبَ فِي غَيْرِ الْمُتَنَازِعِينَ، بِأَنْ يُضَمَّ وَلَدٌ مَعْرُوفُ النَّسَبِ، إِلَى جَمَاعَةٍ لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ أَبٌ، وَيُقَالُ لَهُ: مَنْ أَبُوهُ مِنْهُمْ؟ وَلَا يُقَالُ أَلْحِقْهُ بِأَبِيهِ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ أَبٌ، فَإِذَا قَالَ: لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ أَبٌ، ضَمَّهُ ذَلِكَ الْوَلَدُ إِلَى جَمَاعَةٍ لَهُ فِيهَا أَبٌ، وَقِيلَ لَهُ: أَلْحِقْهُ بِأَبِيهِ مِنْهُمْ، لِأَنَّ لَهُ فِيهِمْ أَبًا، فَإِنْ أَلْحَقَهُ بِأَبِيهِ مِنْهُمْ، عُرِفَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْقِيَافَةِ.
وَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْأَوَّلِ فَأَلْحَقَهُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَوْ أَخْطَأَ فِي الثَّانِي فَأَلْحَقَهُ بِغَيْرِ أبيه منهم، علم بأنه غير عالم بالقيامة، وَلَا يُقْنَعُ، إِذَا أَصَابَ مَرَّةً أَنْ يُجَرَّبَ فِي ثَانِيَةٍ، وَثَالِثَةٍ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُصِيبَ فِي الْأَوَّلَةِ، اتِّفَاقًا وَفِي الثَّانِيَةِ، ظَنًّا وَفِي الثَّالِثَةِ يَقِينًا، فَإِذَا وُثِقَ بِعِلْمِهِ عُمِلَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَخْتَبِرَ ثَانِيَةً بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِعِلْمِهِ.
وَأَمَّا عِلْمُ الْفِقْهِ فَإِنْ نَزَلَ بِهِ مَنْزِلَةَ الْمُخَيَّرِ لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى عِلْمِ الْفِقْهِ وَإِنْ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْحَاكِمِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ حَالَتَيْهِ اعْتُبِرَ فِيهِ مِنْ عِلْمِ الْفِقْهِ، مَا اخْتَصَّ بِلُحُوقِ الْأَنْسَابِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْعِلْمُ بِجَمِيعِ الْفِقْهِ، لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ فِي الْقَافَةِ مُتَعَذِّرًا. وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي بَنِي مُدْلِجٍ، وَلَا مِنَ الْعَرَبِ، إِذَا تَكَامَلَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْقِيَافَةِ، وَوَهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، فَقَالَ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إِلَّا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، لِاخْتِصَاصِهِمْ بِعِلْمِ الْقِيَافَةِ طَبْعًا فِي خَلْقِهِمْ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقِيَافَةِ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُعْدَمَ فِي بَنِي مُدْلِجٍ، وَيُوجَدَ فِي غَيْرِ بَنِي مُدْلِجٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ وُجُودُهُ فِي بَنِي مُدْلِجٍ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْقِيَافَةِ، فَالْمُعْتَبِرُ فِيهَا التَّشَابُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: تَخْطِيطُ الْأَعْضَاءِ وَأَشْكَالُ الصُّورَةِ.
وَالثَّانِي: فِي الْأَلْوَانِ وَالشُّعُورِ.
وَالثَّالِثُ: فِي الْحَرَكَاتِ وَالْأَفْعَالِ.
وَالرَّابِعُ: فِي الْكَلَامِ، وَالصَّوْتِ، وَالْحِدَّةِ، وَالْأَنَاةِ، وَلَئِنْ جَازَ أَنْ تَخْتَلِفَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ فِي الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ فِي الظَّاهِرِ الْجَلِيِّ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا، فِي الْبَاطِنِ تَشَابُهٌ خَفِيٌّ، وَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جَمِيعِهَا لِغَلَبَةِ التَّشَابُهِ بِالْأُمَّهَاتِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهَا لِأَنَّ الْمَوْلُودَ مِنْ أَبْيَضَ، وَأَسُودَ، لَا يَكُونُ أَبْيَضَ مَحْضًا، وَلَا أَسْوَدَ مَحْضًا فَيَكُونُ فِيهِ مِنَ الْبَيَاضِ، مَا يُقَارِبُ الْأَبْيَضِ، وَمِنَ السَّوَادِ مَا يُقَارِبُ بالسواد.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْوَلَدِ مَعَ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلَيْسَ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْآخَرِ، فَيَلْحَقُ بِمَنْ فِيهِ شَبَهُهُ، وَيُنْفَى عَمَّنْ لَيْسَ فِيهِ شَبَهُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّبَهُ بَيْنَهُمَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، أَوْ من بعضها ظَاهِرًا كَانَ أَوْ خَفْيًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute