للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فِي الْقِسْمَةِ إِذَا سَبَوْا وَلَا فِي الْبِيَعِ إِذَا مَلَكُوا لِرِوَايَةِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "

وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبَيْنَ وَلَدِهَا ".

وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَمِعَ امْرَأَةً تَبْكِي فَقَالَ: مَا لِهَذِهِ تَبْكِي فَقِيلَ لَهُ: فُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا فَقَالَ: " لَا تُوَلَّهْ وَالِدَةٌ عَلَى وَلَدِهَا ".

أَيْ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِالْبَيْعِ فَتُوَلِّهُ عَلَيْهِ بِالْحُزْنِ وَالْأَسَفِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَلَهِ، وَلِأَنَّ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا فِي الصِّغَرِ إِدْخَالُ ضَرَرٍ عَلَيْهِمَا بِحُزْنِ الْأُمِّ وَضَيَاعِ الْوَلَدِ.

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَفِي الزَّمَانِ الَّذِي تَحْرُمُ فِيهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ:

أَحَدُهُمَا: نَصَّ عَلَيْهِ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ، وَنَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى اسْتِكْمَالِ سَبْعِ سِنِينَ، ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مِنْ بَعْدُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، لِأَنَّهُ حَدُّ التَّفْرِقَةِ فِي تَخْيِيرِ الْكَفَالَةِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ فِيهَا بِنَفْسِهِ فِي لِبَاسِهِ وَمَطْعَمِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِلَى وَقْتِ الْبُلُوغِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِرِوَايَةِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا " قِيلِ: إِلَى مَتَى؟ قَالَ: " حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ " وَلَوْلَا أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضَعْفًا لِأَنَّ رَاوِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَقَدْ طَعَنَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ، لَمَّا اخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِيهِ، وَلَمَّا شَاعَ خِلَافُهُ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَحَقَّتِ الْكَفَالَةُ، عَلَى الْوَالِدَيْنِ إِلَى الْبُلُوغِ، ثُمَّ يُفَارِقُهُمَا الْوَلَدُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَانَ الْبُلُوغُ حَدًّا فِي التَّفْرِقَةِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا تَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَبَدِ تَمَسُّكًا بِعُمُومِ الظَّاهِرِ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ إِنْ صَحَّ، ثُمَّ الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الصِّغَرِ مَفْقُودٌ فِي الْكِبَرِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُضِرٌّ فِي الصِّغَرِ، وَغَيْرُ مُضِرٍّ فِي الْكِبَرِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَعْهُودٌ فِي الْكِبَرِ، وَغَيْرُ مَعْهُودٍ فِي الصِّغَرِ.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْوَلَدِ وَوَالِدِهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا كَالْأُمِّ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْبَعْضِيَّةِ الْمُفْضِيَةِ لِلشَّفَقَةِ وَالْحُنُوِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، بِخِلَافِ الْأُمِّ لِعَدَمِ التَّرْبِيَةِ فِي الْأَبِ، وَوُجُودِهَا فِي الْأُمِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>