عَلَيْهِمْ حُكْمَ الْإِسْلَامِ إِمَّا بِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ بِالسَّابِي جَازَ بَيْعُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ أَجْرَيْنَا عَلَيْهِ حُكْمَ الشِّرْكِ جَازَ بَيْعُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يُكْرَهْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ بَيْعُهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ عَلَى المشركين حال احْتِجَاجًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا فِي بَيْعِهِمْ مِنْ تَقْوِيَةِ الْمُشْرِكِينَ بِهِمْ،
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ فِي الْأَغْلَبِ عَلَى دِينِ سَادَتِهِمْ إِذَا بَلَغُوا.
وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَبَى بَنِي قُرَيْظَةَ سَنَةَ خَمْسٍ، فَفَرَّقَ سَبْيَهُمْ أَثْلَاثًا فَبَعَثَ ثُلُثًا بِيعُوا بِتِهَامَةَ، وَثُلُثًا بِيعُوا بِنَجْدِ، وَثُلُثًا بِيعُوا بِالشَّامِ، وَكَانَتْ مَكَّةُ وَالشَّامُ دَارَ شِرْكٍ، وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ بِلَادِ تِهَامَةَ وَنَجْدٍ، وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنَّ عَلَى سَبْيِ هَوَازِنَ، وَرَدَّهُمْ عَلَى أَهْلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ بَقِيَ عَلَى شِرْكِهِ، وَلِأَنَّ الْمَمْلُوكَ إِذَا جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ دِينٍ جَازَ عَلَيْهِ بَيْعُهُ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ، كَالْعَبْدِ الْبَالِغِ وَيَبْطُلُ بِهِ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ تَقْوِيَتِهِمْ بِهِ، وَيَبْطُلُ أَيْضًا بَيْعُ الطَّعَامِ عَلَيْهِمْ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَقْوِيَتِهِمْ بِهِ، وَبِهِ يَبْطُلُ احْتِجَاجُهُمْ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ فِي الْأَغْلَبِ عَلَى دين سادتهم.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " ومن أعتق منهم فلا يورث كمثل أن لا تقوم بنسبه بينة ".
قال الماوردي: إما لحميل فِي النَّسَبِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَمْلِكَ مُسْلِمٌ بِالسَّبْيِ مُشْرِكًا فَيُعْتِقَهُ وَيَسْتَلْحِقَ بِهِ، وَيَجْعَلَهُ لِنَفْسِهِ وَلَدًا، فَيَصِيرَ مَحْمُولَ النَّسَبِ عَنْ أَبِيهِ إِلَى سَابِيهِ، وَيَكُونَ الْحَمِيلُ بِمَعْنَى: الْمَحْمُولِ، كَمَا يُقَالُ: قَتِيلٌ بِمَعْنَى مَقْتُولٍ، فَهَذَا لَا يَلْحَقُ النَّسَبَ، وَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حُكْمُ الْمُسْتَلْحِقِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ " فَنَقَلَهُمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِنَ اسْتِلْحَاقِ الْأَنْسَابِ إِلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ مِنْ إِلْحَاقِهَا بِالْفِرَاشِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُقِرَّ الْمُسْبي بَعْدَ عِتْقِهِ بِنَسَبٍ وَارِدٍ مِنْ بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ، وَيَكُونَ الْحَمِيلُ بِمَعْنَى الْحَامِلِ فَيُقَسَّمَ النَّسَبُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: مَرْدُودٌ، وَمَقْبُولٌ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْمَرْدُودُ: فَهُوَ أَنْ يُقِرَّ بِنَسَبٍ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمِيرَاثَ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُقِرُّ اسْتِحْدَاثَ مِثْلِهِ، كَالْمُقِرِّ بِأَبٍ أَوْ بِأَخٍ، أَوْ عَمٍّ، فَيَرِدُ إِقْرَارُهُ بِهِ، وَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ