وَالثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي جَلْدِهِ السَّوْطُ وَالْعَدَدُ كَغَيْرِهِ.
وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ السَّوْطُ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَدُ، فَيُجْمَعُ مِائَةُ سَوْطٍ وَيُضْرَبُ بِهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً.
وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَهُ كَغَيْرِهِ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: ٢] .
وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ مُقْعَدًا أَسْوَدَ فِي جوار سعد بن معاذ زنا فأحبل فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يُجْلَدَ بِإِثْكَالِ النَّخْلِ.
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ اشْتَكَى حَتَّى ضَنِيَ وَعَادَ جِلْدُهُ عَلَى عَظْمِهِ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ لِبَعْضِهِمْ فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ رِجَالٌ قَوْمِهِ يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ وَقَالَ: اسْتَفْتَوْا لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ.
وَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا رَأَيْنَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ بِهِ مِنَ الضُّرِّ مِثْلَ مَا بِهِ مَا هُوَ إِلَّا جِلْدٌ وَعَظْمٌ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ يَأْخُذُوا مِائَةَ شِمْرَاخٍ فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً.
وَهَذَا نَصٌّ فِي هَذَا الْبَابِ، وَبِمِثْلِ هَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ زَوْجَتَهُ مِائَةً فَقَالَ: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤] .
حَكَى الشَّافِعِيُّ مُنَاظَرَةً جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ خَالَفَهُ فِيهِ فَقَالَ: قَالَ لِي بَعْضُهُمْ: لَا أعرف الحد إلا واحداً، وإن كان مضنوءاً من خلقته.
قُلْتُ لَهُ: أَتَرَى الْحَدَّ أَكْبَرَ أَوِ الصَّلَاةَ؟ .
فقال: الصلاة قال كل فرض قَدْ نَأْمُرُهُ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَجَالِسًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فعلى جنبه.
فَقَالَ هَذَا اتِّبَاعُ سُنَّةٍ وَمَوْضِعُ ضَرُورَةٍ قُلْتُ فَكَذَلِكَ الْجَلْدُ اتِّبَاعُ سُنَّةٍ وَمَوْضِعُ ضَرُورَةٍ قَالَ: فَقَدْ يَتْلَفُ الصَّحِيحُ الْمُحْتَمِلُ لِلضَّرْبِ وَيَعِيشُ النِّضْوُ الضَّعِيفُ.
قُلْتُ: إِنَّمَا إِلَيْنَا الظَّاهِرُ وَالْأَرْوَاحُ بِيَدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ.
وَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ وَجَوَابٌ مُقْنِعٌ.
(فَصْلٌ)
فَإِنْ سَرَقَ هَذَا النِّضْوُ الْخَلْقَ وَعُلِمَ أَنَّ الْقَطْعَ قَاتِلُهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ: