وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُقَاتِلٍ بِهِ فِي الْحَالِ كالفرس الذي بجنبه عدة لقتاله أو هيمان النفقة الذي في وسطه قوة ليستعين بِهَا عَلَى قِتَالِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ سَلَبًا؛ لِأَنَّهُ قُوَّةٌ لَهُ عَلَى قِتَالِنَا فَصَارَ كَالَّذِي يُقَاتِلُ بِهِ.
وَالثَّانِي: يَكُونُ غَنِيمَةً وَلَا يَكُونُ سَلَبَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَاتِلٍ بِهِ وَإِنْ كَانَ قُوَّةً لَهُ كَالَّذِي فِي رَحْلِهِ.
فَصْلٌ:
وَإِذَا أَسَرَ الْمُسْلِمُ مُشْرِكًا غَرَّرَ بِنَفْسِهِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي أَسْرِهِ وَلَمْ يَقْتُلْهُ فَفِي اسْتِحْقَاقِ سَلَبِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَسْتَحِقُّهُ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " وَهَذَا لَمْ يَقْتُلْهُ وَلَا كَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُ، فَعَلَى هَذَا إِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ أَسْرِهِ فَإِنْ كَانَ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْتَحِقُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَبَبٍ كَانَ مِنْهُ فِي وَقْتِ الْحَرْبِ.
وَالثَّانِي: لَا سَلَبَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَرْبَ قَدِ انْقَطَعَ حُكْمُهَا بِانْقِضَائِهَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَلَبَ أَسْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ؛ لِأَنَّ تَغْرِيرَهُ لِنَفْسِهِ فِي الْأَسْرِ أَعْظَمُ، وَلِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْأَسْرِ فَهُوَ عَلَى الْقَتْلِ أَقْدَرُ، فَإِنْ سَلَّمَهُ إِلَى الْإِمَامِ حَيًّا أَعْطَاهُ الْإِمَامُ سَلَبَهُ، وَكَانَ مُخَيَّرًا فِيهِ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ، أَوْ يَمُنَّ عَلَيْهِ، أَوْ يَسْتَرِقَّهُ، أَوْ يُفَادِيَ، فَإِنْ قَتَلَهُ أَوْ مَنَّ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلَّذِي أَسَرَهُ غَيْرُ سَلَبِهِ، وَإِنِ اسْتَرَقَّهُ أَوْ فَادَى بِهِ عَلَى مَالٍ كَانَ حُكْمُ اسْتِرْقَاقِهِ وَمَالِ فِدَائِهِ كَحُكْمِ السَّلَبِ فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أحدهما: غنيمة إذا قلنا إن السلب لمن أسره.
وَالثَّانِي: لِمَنْ أَسَرَهُ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ السَّلَبَ لمن أسره.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَالنَّفْلُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ نَفَّلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ غَنِيمَةٍ قِبَلَ نَجْدٍ بَعِيرًا بَعِيرًا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ كَانُوا يُعْطَوْنَ النَّفْلَ مِنَ الخمس (قال الشافعي) رحمه الله نفلهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ خُمُسِهِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بِسَائِرِ مَالِهِ فِيمَا فِيهِ صَلَاحُ الْمُسْلِمِينَ وَمَا سِوَى سَهْمِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من جميع الخمس لمن سماه الله تعالى فينبغي للإمام أن يجتهد إذا كثر العدو واشتدت شوكته وقل من بإزائه من المسلمين فينفل منه اتباعا لسنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وإلا لم يفعل وقد روي في النفل في البداءة والرجعة الثلث في واحدة والربع في الأخرى وروى ابن عمر أنه نفل نصف السدس وهذا يدل على أنه ليس للنفل حد لا يجاوزه الإمام ولكن على الاجتهاد ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ.