وَيَصِيرُ قَاضِي الْكُوفَةِ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ عَالِمًا بِهِ، وَلَيْسَ بِحَاكِمٍ فِيهِ، لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ.
فَإِذَا صَارَ إِلَى عَمَلِهِ فَفِي جَوَازِ حُكْمِهِ بِهِ قَوْلَانِ كَالْقَاضِي فِي جَوَازِ حُكْمِهِ بِعَمَلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(إِغْفَالُ عُنْوَانِ الْكِتَابِ) .
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي: " وَلَوْ تَرَكَ أَنْ يَكْتُبَ اسْمَهُ فِي الْعُنْوَانِ وَقَطَعَ الشُّهُودُ بِأَنَّهُ كِتَابُهُ قَبِلَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا قَالَهُ رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَنْوَنًا فِي دَاخِلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُنْوَانٌ، أَوْ كَانَ عُنْوَانُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْبَلَهُ مَعَ وِفَاقِهِ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ إِلَّا بِالشَّهَادَةِ.
وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: لَيْسَ الْعُنْوَانُ شَرْطًا فِي قَبُولِهِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ عُنْوَانِهِ مِنْ دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَنْوَنًا لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِمَا يُؤَدِّيهِ الشُّهُودُ مِنْ مضمونه، فلم يكن لعنوانه وَلَا لِفَقْدِهِ تَأْثِيرٌ فِي الْحُكْمِ بِمَا شَهِدَ شُهُودُهُ.
وَعُنْوَانُ الْكِتَابِ فِي دَاخِلِهِ عُرْفٌ قَدِيمٌ، وَعَلَى ظَاهِرِهِ عُرْفٌ مُسْتَحْدَثٌ.
وَالْعُرْفُ الْمَعْمُولُ بِهِ أَوْلَى مِنَ الْعُرْفِ الْمَتْرُوكِ.
وَلَيْسَ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي عَصْرِنَا إِلَّا فِي كُتُبِ الْخُلَفَاءِ خَاصَّةً.
ثم قال أبو حنيفة: لا تقبل مُعَنْوَنًا بِالِاسْمِ وَحْدَهُ، أَوِ الْكُنْيَةِ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْكَاتِبِ وَالْمُكَاتِبِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ دُونَ جَدِّهِ لَمْ يَجُزْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْأَبِ مَشْهُورًا لَا يَشْرَكُهُ غَيْرُهُ فِيهِ، أَوْ تَكُونَ الْكُنْيَةُ مَشْهُورَةً لَا يَشْرَكُهُ غَيْرُهُ فِيهَا.
وَهَذَا الْقَوْلُ مَدْفُوعٌ بِمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالْعُرْفُ فِي عَصْرِنَا مُسْتَعْمَلٌ بِاسْتِيفَاءِ النَّسَبِ فِي الْعُنْوَانِ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى وَبِالِاقْتِصَارِ فِيهِ مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَدْنَى.
(هَلْ يُبْدَأُ فِي الْعُنْوَانِ بِاسْمِ الْكَاتِبِ أَوْ بِاسْمِ الْمُكَاتِبِ) .
فَأَمَّا مَا يُبْدَأُ بِهِ فِي الْعُنْوَانِ مِنِ اسْمِ الْكَاتِبِ وَالْمُكَاتِبِ فَقَدْ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ بِاسْتِعْمَالِ الْأَمْرَيْنِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ.
فَرُوِيَ أَنَّ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ كَانَ يَبْدَأُ بِاسْمِهِ فِي مُكَاتَبَةِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَيَكْتُبُ: مِنَ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.