بَائِعًا لِغَيْرِ مِلْكٍ فَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ. لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِقَبْضِهِ لَهُ وَيَكُونُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِالدَّارِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى مِلْكِهِ فِي الدَّارِ، لِأَنَّه قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ غَيْرُ مَالِكٍ حَتَّى يَقُولَ الشُّهُودُ إِنَّهُ بَاعَهَا، وَهُوَ مَالِكُهَا، أَوْ يَقُولُوا إِنَّهَا لِهَذَا الْمُشْتَرِي بِابْتِيَاعِهَا مِنْ هَذَا الْبَائِعِ، فَتَدُلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَصِحَّةِ عَقْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَيِّنَتَيْنِ بَيَانٌ عَلَى تَقَدُّمِ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ، وَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَارِيخٌ، أَوْ تُؤَرَّخُ إِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى، أَوْ تُؤَرَّخُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ، لَا يَتَقَدَّمُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، فَيَكُونُ بَيَانُ التَّقَدُّمِ مَعْدُومًا عَلَى الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَخْلُ حَالُ الدَّارِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ الْبَائِعِ.
وَالثَّانِيَةِ: أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ فِي أَيْدِيهِمَا.
وَالرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ.
[(فصل)]
: فأما الحالة الْأَوْلَى: وَهُوَ أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ الْبَائِعِ: فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَصْدِيقِ الْبَائِعِ، لِإِحْدَى البينتين هل يوجب ترجيها عَلَى الْأُخْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، إِنَّ تَصْدِيقَ الْبَائِعِ لِإِحْدَاهُمَا مَقْبُولٌ، تَتَرَجَّحُ بِهِ بَيِّنَتُهُ، لِأَنَّه أَصْلُ ذُو يَدٍ فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ إِلَى بَيَانِهِ فِي أَيِّ الْعَقْدَيْنِ تَقَدَّمَ وَلَا يَرْجِعُ إِلَى بَيَانِهِ أَيُّهُمَا بَاعَ، لِأَنَّه قَدْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْبَيِّعَانِ بِالْبَيِّنَةِ، فَيُرْجَعُ إِلَيْهِ بِالتَّقَدُّمِ مِنْهُمَا، فَإِذَا بَيَّنَ أَحَدَهُمَا التَّقَدُّمَ كَانَ الْبَيْعُ لَهُ، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْآخَرِ، لِأَنَّه لَوْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ لَمْ يَقْبَلْ، وَلَيْسَ يَغْرَمُ لِلْآخَرِ الْقِيمَةَ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِ الثَّمَنَ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْيَمِينُ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ بَيَانٌ، أُحْلِفَ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُحَلِّفَهُ يَمِينًا تَخُصُّهُ، لِأَنَّه لَوْ بَيَّنَ بَعْدَ إِنْكَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ فَلِذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ. فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْمُشْتَرِيَيْنِ فِي الْبَيَانِ، لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَيَانٌ، لِأَنَّه بَيَانُهُ فِي التَّقَدُّمِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَقَدِّمًا عَلَى الْآخَرِ فِي حَالِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَامِدِ الْإِسْفَرَايِينِيُّ، تَكُونُ الدَّارُ بَيْنَهُمَا بِتَصْدِيقِهِ لَهُمَا.
فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ بَيَانَ الْبَائِعِ مَقْصُورٌ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ بِالْعَقْدِ فَقَدْ وَهِمَ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي التَّقَدُّمِ، وَإِنْ قَالَهُ، لِأَنَّه يَرَى أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى بَيَانِ الْبَائِعِ لِأَيِّهِمَا بَاعَ فَهُوَ ارْتِكَابُ مَذْهَبٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ لِمَا بَيَّنَاهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا إِنَّ تَصْدِيقَ الْبَائِعِ لِأَجْلِ يَدِهِ، غَيْرُ مَقْبُولٍ، فِي تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ أَحَدِهِمَا، لِاتِّفَاقِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى زَوَالِ مِلْكِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute