للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ حِينَ نُسِخَ حَبْسُ الزَّانِيَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: ١٥] .

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا أَشْبَهَ مَا قِيلَ بِمَا قِيلَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَاحِشَةَ الْمُبَيِّنَةَ هِيَ النُّشُوزُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيَجُوزُ لَهُ مَعَ النُّشُوزِ أَنْ يَعْضُلَهَا وَيُخَالِعَهَا.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْخُلْعُ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَهُوَ أَن لا يَكُونَ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَقْصِيرٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ وَلَا كَرَاهَةٌ لَهُ فَيَجُوزُ خُلْعُهُمَا وَلَا يُكْرَهُ لَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.

وَحُكِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّ الْخُلْعَ فَاسِدٌ وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت به} فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْخُلْعِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَحْرِيمُ الْخُلْعِ إِلَّا مَعَ الْخَوْفِ، وَالثَّانِي لُحُوقُ الْجُنَاحِ مَعَ ارْتِفَاعِ الْخَوْفِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: ٤] فَإِذَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَمْتَلِكَ مَا طَابَ بِهِ نَفْسُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمَلِّكَهَا بِهِ بُضْعَهَا فَأَوْلَى أَنْ يَحِلَّ لَهُ إِذَا مَلكَهَا بِهِ بُضْعَهَا، وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ مع الرضى، وَكَسَائِرِ الْعُقُودِ مِنَ الْبُيُوعِ وَغَيْرِهَا.

فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْآيَةِ فَقَدْ قَرَأَ حَمْزَةُ: (إِلَّا أَنْ يُخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ) .

بِضَمِّ الْيَاءِ، وَيَكُونُ معناه إلا أن يخاف الحاكم إن لا يُقِيمَا الزَّوْجَانِ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الْقِرَاءَةُ تُسْقِطُ أَنْ يَكُونَ خَوْفُ الزَّوْجَيْنِ شَرْطًا فِي جَوَازِ الْخُلْعِ وَقَرَأَ جَمَاعَةُ الْقُرَّاءِ إِلَّا أَنْ يَخَافَا بِفَتْحِ الْيَاءِ إِشَارَةً إِلَى الزَّوْجَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذَلِكَ مَعْدُولًا بِهِ عَنِ الشَّرْطِ الظَّاهِرِ إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا لِوُرُودِهَا عَلَى سَبَبٍ مِنَ الْخَوْفِ، وَإِنْ كَانَ حُكْمُهَا عَامًّا، وَإِمَّا عَلَى الْأَغْلَبِ مِنَ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ خَوْفٍ، وَإِنْ جَازَ فِي حَالٍ نَادِرَةٍ لَيْسَ مَعَهَا خَوْفٌ، وَإِنْ كَانَتْ هذه النادرة لا بد أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا خَوْفٌ، وَإِنْ قَلَّ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَبْذُلُ مَالَهَا لِافْتِدَاءِ نَفْسِهَا وَهِيَ راغبة، والله أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (وَلَوْ خَرَجَ فِي بَعْضِ مَا تَمْنَعُهُ مِنَ الْحَقِّ إِلَى أَدَبِهَا بِالضَّرْبِ أَجَزْتُ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ أَذِنَ لِثَابِتٍ بِأَخْذِ الْفِدْيَةِ مِنْ حَبِيبَةَ وَقَدْ نَالَهَا بِضَرْبٍ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>