وَالثَّانِي: حُكْمُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ.
فَأَمَّا حُكْمُهَا فِي حَيَاتِهِ فَتَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا كَانَتْ فِيهِ كَالْحُرَّةِ، وَذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: فِي الْبَيْعِ، وَالرَّهْنِ، وَالْهِبَةِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَلَا رَهْنُهَا، وَلَا هِبَتُهَا، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى الْبَيْعِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا كَانَتْ فِيهِ كَالْأَمَةِ، وَذَلِكَ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ مِلْكِ السَّيِّدِ لِأَكْسَابِهَا بِعَقْدِ إِجَارَةٍ، وَغَيْرِ إِجَارَةٍ.
وَالثَّانِي: الْتِزَامُ نَفَقَتِهَا وَكِسْوَتِهَا.
وَالثَّالِثُ: اسْتِبَاحَةُ وَطْئِهَا.
وَالرَّابِعُ: فِي الْعِدَّةِ إِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا.
وَالْخَامِسُ: فِي شَهَادَتِهَا.
وَالسَّادِسُ: فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا، فَتَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ السِّتَّةِ كَالْأَمَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا خَالَفَتْ فِيهِ حُكْمَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَذَلِكَ فِي جِنَايَتِهَا خَطَأٌ يَضْمَنُهَا السَّيِّدُ، وَيَكُونُ فِي رَقَبَةِ الْأَمَةِ، وَذِمَّةِ الْحُرَّةِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهَا.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيهِ، وَذَلِكَ فِي تَزْوِيجِهِ لَهَا، وَسَيَأْتِي حُكْمُهُ مِنْ بَعْدُ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا حُكْمُهَا بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَهُوَ تَحْرِيرُ عِتْقِهَا بِمَوْتِهِ، سَوَاءٌ مَاتَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، أَوْ تَكُونُ مُعْتَقَةً مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لَا مِنْ ثُلُثِهِ، سَوَاءٌ أَوْلَدَهَا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَتِ الْوِلَادَةُ هِيَ الْمُوجِبَةَ لِعِتْقِهَا فَهَلَّا تَحَرَّرَ عِتْقُهَا بِالْوِلَادَةِ، وَلَمْ يُنْتَظَرْ بِهِ مَوْتُ السَّيِّدِ.
قِيلَ: لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهَا حَقًّا بِالْوِلَادَةِ، وَلِلسَّيِّدِ حَقٌّ بِالْمِلْكِ وَفِي تَعْجِيلِ حَقِّهَا إِبْطَالٌ لِحَقِّ السَّيِّدِ مِنَ الْكَسْبِ وَالِاسْتِمْتَاعِ، وَفِي تَعْلِيقِهِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ حِفْظٌ لِلْحَقَّيْنِ، فَكَانَ أَوْلَى.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ حِفْظًا لِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ مِنْهَا، وَفِي تَعْجِيلِ عِتْقِهَا إِسْقَاطٌ لِحَقِّهَا مِنَ النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ، وَتَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَفِي تَأْخِيرِهِ إِلَى مَوْتِ السَّيِّدِ حِفْظٌ لِحُرْمَتِهَا فِي الْتِزَامِ النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ، وَبَقَاءِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَالْإِبَاحَةِ، فَكَانَ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ أَوْلَى مِنْ تَعْجِيلِهِ بِوَضْعِ الْوَلَدِ، وَاللَّهُ أعلم.