وَالشَّرْطُ السَّادِسُ: أَنْ يُصَرِّحَ بِالدُّعَاءِ، إِمَّا بِقَوْلٍ أَوْ مُكَاتَبَةٍ أَوْ مُرَاسَلَةٍ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ جارٍ وَصَرِيحُ الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ: أَسْأَلُكَ الْحُضُورَ، أَوْ يَقُولَ: أُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَ، أَوْ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُجَمِّلَنِي بِالْحُضُورِ فَتَلْزَمُهُ إِجَابَتُهُ بِهَذَا الْقَوْلِ كُلِّهِ.
فَأَمَّا إِنْ قَالَ إِنْ شِئْتَ أَنْ تَحْضُرَ فَافْعَلْ لَمْ تَلْزَمْهُ إِجَابَتُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَمَا أُحِبُّ أَنْ يُجِيبَ ".
فَإِنْ كاتبه رفعة يَسْأَلُهُ الْحُضُورَ بِأَحَدِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَلْفَاظِ لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ، فَإِنْ نَقَصَهُ فِي الْخِطَابِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ أَوْ كَانَ فِي الْوَلِيمَةِ عَدُوٌّ لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا فِي التَّأْخِيرِ، وَإِنْ رَاسَلَهُ بِرَسُولٍ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ وَصَدَّقَهُ، لَزِمَتْهُ الْإِجَابَةُ سَوَاءٌ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغِ نُظِرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا لَزِمَتْهُ الْإِجَابَةُ بِوُرُودِهِ فِي الرِّسَالَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لَمْ يَلْزَمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَا يَقُولُ وَلَا الْعَادَةُ جَارِيَةٌ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ رَسُولًا، فَإِنْ قَالَ الدَّاعِي لِرَسُولِهِ: ادْعُ مَنْ رَأَيْتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعِيِّنَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ دَعَاهُ الرَّسُولُ أَنْ يُجِيبَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى أَنْ يَدْعُوَ مَنْ غَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ.
[فصل: شروط المدعو]
وَأَمَّا الشُّرُوطُ الَّتِي فِي الْمَدْعُوِّ فَخَمْسَةُ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: الْبُلُوغُ.
وَالثَّانِي: الْعَقْلُ لِيَكُونَ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ مِمَّنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ حُكْمُ الِالْتِزَامِ.
وَالثَّالِثُ: الْحُرِّيَّةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ بِحَقِّ السَّيِّدِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ لَزِمَتْهُ الْإِجَابَةُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا نُظِرَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُضُورُهُ مُضِرًّا بِكَسْبِهِ لَزِمَتْهُ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ إِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ السَّيِّدُ، وَفِي لُزُومِهَا بِإِذْنِهِ وَجْهَانِ فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ فَتَلْزَمُهُ الْإِجَابَةُ كَالرَّشِيدِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا وَالدَّاعِي مُسْلِمٌ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِجَابَةَ لَا تَلْزَمُهُ وَإِنْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ وَرَضِيَا بِحُكْمِنَا أَخْبَرْنَاهُمَا بِلُزُومِ الْإِجَابَةِ فِي دِينِنَا، وَهَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمَدْعُوُّ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَالْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ مَانِعٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ تَشَاغُلٍ بِمَرَضٍ أَوْ إِقَامَةٍ عَلَى حِفْظِ مَالٍ أَوْ خَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، فَإِنَّ كُلَّ هَذِهِ وَمَا شَاكَلَهَا أَعْذَارٌ تُسْقِطُ لُزُومَ الْإِجَابَةِ فَإِنِ اعْتَذَرَ بِشِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مَنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ كَانَ عُذْرًا فِي التَّأَخُّرِ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ تَصَرُّفِ غَيْرِهِ لَمْ يكن عذراً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute