وَالثَّانِي إِنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ ترجع المشيئة إلى جمع الْمَذْكُورِ مِنَ الرَّجْعَةِ وَالطَّلَاقِ. وَمَا رُدَّ إِلَى مَشِيئَةِ فَاعِلِهِ لَمْ يَجِبْ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ فِيهِ اسْتِدْرَاكًا لِمُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ. فَالْمَحْظُورُ هُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ. وَالطَّلَاقُ الْوَاقِعُ لَا يُسْتَدْرَكُ بِالرَّجْعَةِ وَإِنَّمَا يَقْطَعُ تَحْرِيمَهُ.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الرَّجْعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَهِيَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا إِذَا طُلِّقَتْ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، لِأَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا رَجْعَةَ لَهَا وَالثَّلَاثُ لَا رَجْعَةَ مَعَهَا فَتَكُونُ الرَّجْعَةُ مَعَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ.
ثُمَّ الزَّمَانُ الَّذِي يُسْتَحَقُّ فِيهِ الرَّجْعَةُ مُقَدَّرٌ، وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ قَدْ أَطْلَقَهُ. فَإِنْ طُلِّقَتْ فِي الْحَيْضِ كَانَ الْأَمْرُ بِارْتِجَاعِهَا مَا كَانَ حَيْضُهَا بَاقِيًا، فَإِنْ طَهُرَتْ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ الَّتِي طُلِّقَتْ فِيهَا سَقَطَ اسْتِحْبَابُ الرَّجْعَةِ وَكَانَتْ إِلَى خِيَارِهِ، لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ فِي طُهْرٍ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ طَلَاقُهَا فِيهِ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِارْتِجَاعِهَا فِيهِ.
وَإِنْ طُلِّقَتْ فِي طُهْرٍ قَدْ جُومِعَتْ فِيهِ كَانَ مَأْمُورًا بِارْتِجَاعِهَا فِي بَقِيَّةِ طُهْرِهَا وَفِي الْحَيْضَةِ الَّتِي بَعْدَ طُهْرِهَا، فَإِنْ رَاجَعَهَا فِي هَذَا الْحَالِ فَقَدْ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ وَنُدِبَ إِلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى دَخَلَتْ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي الَّذِي لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ طَلَاقُهَا فِيهِ سَقَطَ مَا كَانَ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ مِنَ الرَّجْعَةِ وَكَانَتْ إِلَى خِيَارِهِ.
فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَقَدْ رَوَاهُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: مُرْهُ فَلَيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ فَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُطْلَّقَ لها الله النِّسَاءُ.
وَرَوَاهُ سَالِمٌ وَيُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ مُرْهُ فَلَيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يطلق لها الله النِّسَاءُ. فَخَالَفَ نَافِعٌ لِسَالِمٍ وَلِيُونُسَ فِي زِيَادَةِ طُهْرٍ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ سَالِمٍ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ بَعْدَ الْحَيْضَةِ الَّتِي طَلَّقَ فِيهَا وَهَذَا صَحِيحٌ.
وَفِي رِوَايَةِ نَافِعٍ. حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ. فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ. وَالطَّلَاقُ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ كَالطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَيِّ الرِّوَايَتَيْنِ أَثْبَتُ وَأَصَحُّ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَصَحُّ رِوَايَةُ سَالِمٍ وَيُونُسَ. فَأَمَّا نَافِعٌ فَوَهِمَ فِي زِيَادَةِ الطُّهْرِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ كَحُكْمِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ الثاني.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute