كُفْرِهِمْ، فَهِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِالْحَظْرِ وَالْمَنْعِ، فَأَمَّا بِنَاءُ مَا سِوَاهَا فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ أَمْلَاكًا خاصة، يسكنها أربابها، فلا يمنعوا بنائها، وَلَا أَنْ يَبِيعَهَا الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَشْتَرُونَهَا مِنْهُمْ، لِأَنَّهَا مَنَازِلُ سُكْنَى، وَلَيْسَتْ بُيُوتَ صَلَاةٍ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَبْنُوا مَا يَسْكُنُهُ بَنُو السَّبِيلِ مِنْهُمْ لِكُلِّ مَارٍّ وَمُجْتَازٍ، وَلَا يَخْتَصُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمِلْكِهِ، فَيُنْظَرُ.
فَإِنْ شَارَكَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي سُكْنَاهُ فَجَعَلُوهُ لِكُلِّ مَارٍّ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ جَازَ، وَلَمْ يُمْنَعُوا مِنْ بَقَائِهِ، وَإِنْ جَعَلُوهُ مَقْصُورًا عَلَى أَهْلِ دِينِهِمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ، فَفِي جَوَازِ تَمْلِيكِهِمْ مِنْ بِنَائِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ، لِأَنَّهُ مَنْزِلُ سَكَنٍ، فَصَارَ كَالْمَنْزِلِ الْخَاصِّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَكَّنُوا مِنْهُ كَالْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مَقْصُورًا عَلَيْهِمْ عُمُومًا، لِيَتَعَبَّدَ فِيهِ سَابِلَتُهُمْ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ البيع والكنائس فرق، وقد يؤول بِهِمْ إِلَى أَنْ يَصِيرَ بَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً لَهُمْ.
(فَصْلٌ)
: فَأَمَّا مَا اسْتُهْدِمَ مِنْ بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمِ الَّتِي يَجُوزُ إِقْرَارُهُمْ عَلَيْهَا مَعَ عِمَارَتِهَا، فَفِي جَوَازِ إِعَادَتِهِمْ لِبِنَائِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ: يُمْنَعُونَ مِنْ إِعَادَةِ بِنَائِهَا، وَيَكُونُ إِقْرَارُهُمْ عَلَيْهَا مَا كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى عِمَارَتِهَا، لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَرَطَ عَلَى نَصَارَى الشَّامِ أَنْ لَا يُجَدِّدُوا مَا خَرِبَ مِنْهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ لَهُمْ إِعَادَةُ بِنَائِهَا اسْتِصْحَابًا لِحُكْمِهَا، وَأَنَّ الْأَبْنِيَةَ لَا تَبْقَى عَلَى الْأَبَدِ، فَلَوْ مُنِعُوا مِنْ بِنَائِهَا بَطَلَتْ عَلَيْهِمْ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدِي مِنْ إِطْلَاقِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنْ يُنْظَرَ فِي خَرَابِهَا، فَإِنْ صَارَتْ دَارِسَةً مُسْتَطْرَفَةً كَالْمَوَاتِ مُنِعُوا مِنْ بِنَائِهَا، لِأَنَّهُ اسْتِئْنَافُ إِنْشَاءٍ، وَإِنْ كَانَتْ شَعِثَةً بَاقِيَةَ الْآثَارِ وَالْجُدْرَانِ جَازَ لَهُمْ بِنَاؤُهَا، وَلَوْ هَدَمُوهَا لِاسْتِئْنَافِهَا لَمْ يُمْنَعُوا، لِأَنَّ عِمَارَةَ الْمُسْتَهْدَمِ اسْتِصْلَاحٌ وَإِنْشَاءَ الدارس استئناف.
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وَلَا يُحْدِثُونَ بِنَاءً يَتَطَوَّلُونَ بِهِ بِنَاءَ الْمُسْلِمِينَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَخْلُو مَسَاكِنُهُمْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَسْتَأْنِفُوا بِنَاءَهَا.
وَالثَّانِي: أَنْ يَسْتَدِيمُوا سُكْنَاهَا.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُعِيدُوا بِنَاءَهَا.