للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا كَانَ مَضْمُونًا بِالْيَدِ كَانَتْ مَنَافِعُهُ مَضْمُونَةً بِالْيَدِ وَالْحُرَّ لَمَّا لَمْ يُضْمَنْ بِالْيَدِ لَمْ تُضْمَنْ مَنَافِعُهُ بِالْيَدِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَنَافِعَ الْحُرِّ فِي يَدِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ تُضْمَنْ إِلَّا بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلَيْسَتْ مَنَافِعُ الْعَبْدِ فِي يَدِهِ بَلْ فِي يَدَيْ مَالِكِهِ فَلِذَا ضَمِنَهَا بِالتَّفْوِيتِ وَبِالِاسْتِهْلَاكِ. أَلَا تَرَاهُ لَوْ حَبَسَ حُرًّا ومعه مال فتلف لم يضمنه لِأَنَّهُ تَالِفٌ فِي يَدِ مَالِكِهِ وَلَوْ حَبَسَ عَبْدًا وَمَعَهُ مَالٌ فَتَلِفَ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ فِي يَدِ غَاصِبِهِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى يَدِ الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ الْمَهْرِ فَنَحْنُ نُوجِبُهُ بِالْغَصْبِ عَلَى الْمُسْتَكْرِهِ وَفِي الْجَوَابِ بِهَذَا مَقْنَعٌ فَأَمَّا بِالْمَنْعِ فَلَا نُوجِبُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ أُجْرَةِ الْمَنَافِعِ حَيْثُ وَجَبَتْ بِالْمَنْعِ وَبَيْنَ الِاسْتِمْتَاعِ حَيْثُ لَمْ يَجِبْ بِالْمَنْعِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ سَيِّدَ الْمَغْصُوبَةِ قَدْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى مَهْرِهَا بِتَزْوِيجِهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أُجْرَتِهَا بِإِجَارَتِهَا لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْمَغْصُوبَةِ يَجُوزُ وَإِجَارَتُهَا لَا تَجُوزُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَهْرَ لَا يَزِيدُ بِطُولِ الْمُدَّةِ وَيُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ بِالْعَقْدِ بَعْدَ رَدِّهَا فَلَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ. وَالْأُجْرَةُ تَزِيدُ بِطُولِ الْمُدَّةِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ مَا مَضَى بَعْدَ رَدِّهَا فَضَمِنَهُ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِالْمَنْعِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ ضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ وَالْعَيْنِ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ شَاهِدَيِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يَجْتَمِعَ ضَمَانُ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ كَمَنِ اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا فَاتَّزَرَ بِهِ أَوْ دَارًا فَأَسْكَنَ فِيهَا حَدَّادِينَ أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِلْأُجْرَةِ وَلِلرَّقَبَةِ فَإِنْ سَلَّمُوا هَذَا كَانَ نَقْصًا وَإِنِ ارْتَكَبُوهُ فَقَدْ جَعَلُوا لِكُلِّ مُسْتَأْجِرٍ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ وَيُسْقِطَ عَنْ نَفْسِهِ الْأُجْرَةَ بِالتَّعَدِّي فَيَصِيرُ مُسْقِطًا لِحَقٍّ وَاجِبٍ بِظُلْمٍ وَتَعَدٍّ وَالتَّعَدِّي يُوجِبُ إِثْبَاتَ حَقٍّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوجِبَ إِسْقَاطَ حَقٍّ وَفِي الْقَوْلِ بِهَذَا مِنْ نَقْصِ الْأُصُولِ مَا لَا يُوَازِيهِ التَّحَرُّزُ مِنَ الْتِزَامِ دَلِيلٍ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ مُوجِبًا لِحَقَّيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَتْلَ يُوجِبُ الدِّيَةَ وَالْكَفَّارَةَ وَهُمَا حَقَّانِ وَقَتْلَ الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ يُوجِبُ الْقِيمَةَ وَالْجَزَاءَ، وَالسَّرِقَةَ تُوجِبُ الْقَطْعَ وَالرَّدَّ فَكَذَلِكَ الْغَصْبُ يُوجِبُ الضَّمَانَ لِلْأُجْرَةِ وَضَمَانَ العين.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ فَضَمَانُهَا بِشَرْطَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مِمَّا يعاوض عليهما بِالْإِجَارَةِ وَمَا لَا تَصِحُّ إِجَارَتُهُ كَالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَمْ يُلْزِمْ فِي الْغَصْبِ أُجْرَةً.

وَالثَّانِي: أَنْ يَسْتَدِيمَ مُدَّةُ الْغَصْبِ زَمَانًا يَكُونُ لِمِثْلِهِ أُجْرَةً فَإِنْ قَصُرَ زَمَانُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ بِالْغَصْبِ أُجْرَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>