بِهِ الْمَنَافِعُ كَالْعُقُودِ وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ مَالٌ بِدَلِيلِ أَنَّ مَا جَازَتْ بِهِ الْوَصِيَّةُ تَمْلِيكًا كَانَ فِي نَفْسِهِ مَالًا كَالْأَعْيَانِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْكَلْبُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهِ بَدَلُ تَمْلِيكٍ لَا تَمْلِيكٌ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ مُعْتَبَرَةٌ مِنَ الثُّلُثِ فَكَانَتْ مَالًا كَالرِّقَابِ وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ أَعَمُّ مِنْ ضَمَانِ الْعَقْدِ وَضَمَانُ الْمَنَافِعِ أَعَمُّ مِنْ ضَمَانِ الْأَعْيَانِ لِأَنَّ الْوَقْفَ مَضْمُونٌ بِالْغَصْبِ دُونَ الْعَقْدِ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ مِنْهُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ فَلَمَّا ضُمِنَتِ الْمَنَافِعُ بِالْعُقُودِ فَأَوْلَى أَنَّ تُضْمَنَ بِالْغُصُوبِ وَلَوْ ضُمِنَ بِالْغَصْبِ الْأَعْيَانُ فَأَوْلَى بِهِ الْمَنَافِعُ فَيَكُونُ هَذَا تَرْجِيحًا فِي الْأَصْلَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى وَيَتَحَرَّرُ مِنْهُ الْقِيَاسَانِ الْمُتَقَدِّمَانِ ولأن منافع الأعيان قد تتنوع توعين نَوْعٌ يَكُونُ نَفْعُهُ بِاسْتِهْلَاكِهِ كَالْمَأْكُولِ وَنَوْعٌ يَكُونُ نَفْعُهُ بِاسْتِبْدَالِهِ وَاسْتِخْدَامِهِ كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ فَلَمَّا ضَمِنَ الْغَصْبُ نَفْعَ الِاسْتِهْلَاكِ وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ بِهِ نَفْعَ الِاسْتِخْدَامِ وَيَتَحَرَّرُ مِنِ اعْتِلَالِهِ قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَوْعُ نَفْعٍ فَوَجَبَ أَنْ يُضْمَنَ بِالْغَصْبِ كَالْأَكْلِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا ضُمِنَ نَفْعُهُ اسْتِبْدَالًا كَالْمَبْذُولِ عِوَضًا وَلِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ بِالْغَصْبِ مَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ مِنَ الْأَعْيَانِ التَّالِفَةِ فِي يَدِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَضْمَنَ مَا قَدِ اسْتَهْلَكَهُ مِنَ الْمَنَافِعِ بِيَدِهِ لَمَّا ضَمِنَ الْمَنَافِعَ بِالْمُرَاضَاةِ وَالِاخْتِيَارِ فَأَوْلَى أَنْ يَضْمَنَهَا مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالْإِجْبَارِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ فَهُوَ أَنَّ الْغَاصِبَ غَيْرُ مُرَادٍ بِهِ لِأَنَّهُ جَعَلَ خَرَاجَ الْغَلَّةِ لِمَنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ الرَّقَبَةِ وَالْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُ الْغَلَّةَ مَعَ ضَمَانِ الرَّقَبَةِ فَجَازَ أَنْ يَضْمَنَهَا مع ضَمَان الرَّقَبَةِ؛ وَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَحْمُولًا عَلَى مَالِكِ الْغَلَّةِ الَّذِي يَمْلِكُ بِضَمَانِهِ الرَّقَبَةَ وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ نَقْلًا، فَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُشْتَرِي فَالْمَعْنَى فِيهِ حُدُوثُ الْمَنَافِعِ مَعَ مِلْكِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْهَا وَالْمَنَافِعُ فِي الْغَصْبِ حَادِثَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَغْصُوبِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْغَاصِبُ ضَامِنًا لَهَا، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَنَافِعِ الْحُرِّ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ إِنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَكْرَهَ مُشْرِكًا أَوِ الذِّمِّيَّ حَمْلًا عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي عِبَارَتِهِ فِي الْأُمِّ عَلَى الْجِهَادِ مَعَهُ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ يَوْمَ إِكْرَاهِهِ عَلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَنَافِعِ الْحُرِّ هَلْ تُضْمَنُ بِالتَّفْوِيتِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ على من فوقها عَلَيْهِ بِحَبْسِهِ وَتَعْطِيلِهِ اسْتِشْهَادًا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْتِشْهَادًا بِمَنَافِعِ الْعَبْدِ فَعَلَى هَذَا يَبْطُلُ اسْتِدْلَالُهُمْ بِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا إنَّ مَنَافِعَ الْحُرِّ لَيْسَتْ مَضْمُونَةً بِالتَّفْوِيتِ وَالْحَبْسِ وَإِنَّمَا هِيَ مَضْمُونَةٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَالْإِجْبَارِ عَلَى الْعَمَلِ وَحَمَلُوا كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ الْأُجْرَةَ لِإِكْرَاهِهِ عَلَى الْجِهَادِ فَكَذَا حَالُ الْأَحْرَارِ إِذَا أُكْرِهُوا عَلَى الْأَعْمَالِ اسْتَحَقُّوا الْأُجْرَةَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَمْلُوكِ حَيْثُ كَانَتْ مَنَافِعُهُ مَضْمُونَةً بِالتَّفْوِيتِ وَبَيْنَ الْحُرِّ حَيْثُ لَمْ تُضْمَنْ مَنَافِعُهُ بِالتَّفْوِيتِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute