وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْبَعْضِ الَّذِي عَتَقَ مِنْهُ بِالصِّفَةِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَا عَتَقَ بِالسِّرَايَةِ لِاخْتِصَاصِ الْعِتْقِ فِي الْكِتَابَةِ بالصفة دون السراية.
[مسألة]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَوَلَدٌ مَاتَ عَبْدًا وَلَا يُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ فَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ الْفَسْخَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْعَجْزِ كَالْبَيْعِ الَّذِي لَا يُفْسَخُ بَعْدَ لُزُومِهِ إِلَّا بِعَيْبٍ.
وإِذَا أَرَادَ الْمُكَاتَبُ الْفَسْخَ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَكِنَّهُ يَمْلِكُ الِامْتِنَاعَ مِنَ الْأَدَاءِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ بِهِ السَّيِّدُ الْفَسْخَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَقْدُ الْكِتَابَةِ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ كَلُزُومِهَا مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ وَيُجْبَرُ الْمُكَاتَبُ عَلَى الْأَدَاءِ إِذَا وَجَدَ وَفَاءً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَقَدِ اخْتَلَفَا فِي إِجْبَارِهِ عَلَى الْكَسْبِ، فَقَالَ مَالِكٌ، يُجْبَرُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ.
وَاسْتَدَلَّا عَلَى لُزُومِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَقْدَ الْمُعَاوَضَةِ إِذَا لَزِمَ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ لَزِمَ مِنَ الطَّرَفِ الْآخَرِ كَالْبَيْعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِوَضَ إِذَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْعِتْقِ لَزِمَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِأَلْفٍ لَزِمَتْهُ الْأَلْفُ.
وَدَلِيلُنَا شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَالَ إِذَا لَزِمَ صَحَّ ضَمَانُهُ، وَضَمَانُ مَالِ الْكِتَابَةِ عَنِ الْمُكَاتَبِ لَا يَصِحُّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَالَ إِذَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ الْعِتْقِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إِنْ دَفَعْتَ إِلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُ الْأَلْفِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِلُزُومِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، فَلِأَنَّ جَوَازَ ضَمَانِهِ دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِهِ، وَضَمَانَ مَالِ الْكِتَابَةِ لَا يَصِحُّ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِهِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِبَيْعِ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ جَوَازِ ضَمَانِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
فَصْلٌ
فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا وَمَاتَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْأَدَاءِ مَاتَ عَبْدًا [سَوَاءٌ كَانَ الْبَاقِي قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، تَرَكَ وَفَاءً أَوْ لَمْ يَتْرُكْ، خَلَّفَ وَلَدًا أَوْ لَمْ يُخَلِّفْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنْ لَمْ