وذلك قضاء الديون، وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ، وَفِعْلُ مَا وَجَبَ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَالدُّعَاءُ لَهُ، وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَ قَبْرِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَلَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ.
وَذَلِكَ: كُلُّ مَا لا تصح فيه النيابة من العبادات، كالصلاة والصيام وَكَانَ فِي الْقَدِيمِ: يَرَى جَوَازَ النِّيَابَةِ فِي صوم الفرض، إذا أناب عَنْهُ وَارِثٌ. وَفِي نِيَابَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ وَجْهَانِ: وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ خِلَافُهُ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ، وَلَا يَجُوزَ أَنْ يفعل عنه بغير أمره، وهو النذر بِالْعِتْقِ، لِمَا فِيهِ مِنْ لُحُوقِ الْوِلَايَةِ.
وَالرَّابِعُ: مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ عَنْهُ بِغَيْرِ بأمره، وفي فعله عنه فأمره قولان: وهو حج التطوع.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " (وَقَالَ) فِي كِتَابٍ آخَرَ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ وَلِمَنْ لَا يُحْصَى بِثُلُثِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَأَحَدِهِمْ ".
قال الماوردي: وصورتها: في رجل أوصى بثلث ماله لزيد والمساكين فَلَا يَخْلُو حَالُ زَيْدٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا أَوْ مِسْكِينًا، فَإِنْ كَانَ مِسْكِينًا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يُعْطَى مِنَ الثُّلُثِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يَكُونُ كَأَحَدِهِمْ يُعْطِيهِ الْوَصِيُّ مَا يراه من قليل أو كثير فيعطاه أحد المساكين ويستفاد بتعينه أنه لَا يُحْرم.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُعْطَى الرُّبُعَ من الثلث الموصى به ويصرف ثلاثة أرباعه للمساكين لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَهُ مَعَ جَمْعٍ أَقَلُّهُمْ ثَلَاثَةٌ، فصار معهم رابعا، فاختص بالرابع اعْتِبَارًا بِالتَّسْوِيَةِ ثُمَّ تَجُوزُ الثَّلَاثَةُ الْأَرْبَاعُ فِي أَكْثَر مِنْ ثَلَاثَةٍ تَفْضِيلًا وَتَسْوِيَةً.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُعْطَى النِّصْفَ مِنَ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثلث مصروفا في خمسين.
وإن كان غنيا ففيما يُعْطَاهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: الرُّبُعُ وَالثَّانِي النِّصْفُ فَأَمَّا جَعْلُهُ كَأَحَدِهِمْ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ فِي صفتهم تقتضي مخالفتهم فِي حُكْمِهِمْ.
فَصْلٌ:
فَلَوِ امْتَنَعَ الْمُسَمَّى مَعَ الْمَسَاكِينِ مِنْ قَبُولِ مَا جُعِلَ لَهُ مِنَ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ رَدُّ حِصَّتِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ مُوصًى بِهِ لِغَيْرِهِمْ، وَصُرِفَ فِيهِمْ مَا سِوَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ مِنَ الثُّلُثِ.
وَهَكَذَا: لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لزيدٍ وَلِعَمْرٍو فَقَبِلَ زَيْدٌ وَلَمْ يَقْبَلْ عَمْرٌو كَانَ لِزَيْدٍ نِصْفُ الثُّلُثِ ويرجع ما كان لعمرو، ولو قبل كان مِيرَاثًا. وَلَوْ أَوْصَى بِعَبْدِهِ سَالِمٍ لِزَيْدٍ وَبِبَاقِي ثُلُثِهِ لِعَمْرٍو، فَمَاتَ عَبْدُهُ سَالِمٌ، قَبْلَ دَفْعِهِ في الوصية: قوم العبد كما لَوْ كَانَ حَيًّا يَوْمَ مَاتَ الْمُوصِي وَأُسْقِطَتْ قِيمَتُهُ مِنَ الثُّلُثِ. ثُمَّ دُفِعَ إِلَى عَمْرٍو مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ بَعْدَ إِسْقَاطِ قِيمَةِ العبد.