للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: إِنَّ جَمِيعَهَا وَاجِبٌ بِالنَّصِّ، وَلَهُ إِسْقَاطُ جَمِيعِهَا بِفِعْلِ أَحَدِهَا، فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الْعِتْقُ.

وَإِنْ مَاتَ الْمُكَفَّرُ عَنْهُ مُعْسِرًا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ التَّكْفِيرُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُعْتَبَرًا بِالْوَاجِبِ أَوْ بِالتَّطَوُّعِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالْوَاجِبِ فَيَكُونُ عَلَى مَا مَضَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالتَّطَوُّعِ، فَيَكُونُ عَلَى مَا يأتي.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ عَنْ أَبَوَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بوصيةٍ مِنْهُمَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا التَّطَوُّعُ بِذَلِكَ عَنْ وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ فَجَائِزٌ، سَوَاءٌ كَانَ عِتْقًا أَوْ صَدَقَةً وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ؟ يَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلَى الذُّكُورِ مِنْ عَصَبَتِهِ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ بِهِ عَنِ الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ، فَإِنْ كَانَ صَدَقَةً جَازَ مِنْ وَارِثٍ وَغَيْرِ وَارِثٍ؟ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ أَمَرَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وقاصٍ " أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ أُمِّهِ بَعْدَ مَوْتِهَا ".

وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي افتلت، وَأَظُنُّ لَوْ تَكَلَّمَتْ لَتَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا مِنْ أجرٍ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا، قَالَ: نَعَمْ ".

وَأَمَّا الْعِتْقُ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهِ غَيْرُ وَارِثٍ لَمْ يَجُزْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ أَنَّ الصَّدَقَةَ برٌّ مَحْضٌ لَا يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِ الثَّوَابِ، وَالْعِتْقَ تَكَسُّبُ وَلَاءٍ يَجْرِي مَجْرَى النَّسَبِ، لِقَوْلِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ " وَلَيْسَ لأحدٍ إِلْحَاقُ نَفْسِهِ بِغَيْرِهِ، كَذَلِكَ الْوَلَاءُ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ وَارِثًا، فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ لَمْ يَجُزْ كَالْأَجْنَبِيِّ، لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُلْحِقَ بِالْمَيِّتِ نَسَبًا، وَإِنْ تَطَوَّعَ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ تَطَوَّعَ بِهِ بَعْضُهُمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ كَمَا يَصِحُّ لُحُوقُ النَّسَبِ بِالْمَيِّتِ إِذَا أَقَرَّ بِهِ جَمِيعُ الْوَرَثَةِ وَلَا يَصِحُّ إِذَا أقر به بعضهم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَلَوْ صَامَ رجلٌ عَنْ رجلٍ بِأَمْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الْأَبْدَانَ تُعُبِّدَتْ بعملٍ فَلَا يُجْزِئُ أن يعلمه غيرها إلا الحج والعمرة للخير الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وبأن فيهما نفقةٌ ولأن الله تبارك وتعالى إنما فرضهما على من وجد السبيل إليهما والسبيل بالمال ".

<<  <  ج: ص:  >  >>