من زمان الاستماع بِالْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّةَ عَلَيْهَا تَمْكِينُ نَفْسِهَا مِنَ الزَّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَالْأَمَةَ يَلْزَمُ تَمْكِينُهَا مِنَ الزَّوْجِ لَيْلًا وَلَا يَلْزَمُ تَمْكِينُهَا مِنْهُ نَهَارًا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْأَمَةَ قَدِ اسْتَحَقَّ السَّيِّدُ استخدامها والزوج الاستمتاع بها، ولذلك جاز للسيد بعد تزويجها أن يؤجرها، وليست الحرة مستحقة لخدمة نفسها، ولذلك لَمْ يَجُزْ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تُؤَجِّرَ نَفْسَهَا، وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي مَنْفَعَةِ الْأَمَةِ حَقَّانِ حَقُّ الِاسْتِخْدَامِ لِلسَّيِّدِ وَحَقُّ الِاسْتِمْتَاعِ لِلزَّوْجِ وَجَبَ أَنْ يُرَاعَى زَمَانُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَسْتَوْفِيهِ مُسْتَحِقُّهُ فَوَجَدْنَا الليل بالاستمتاع أحق مِنَ النَّهَارِ فَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِاسْتِمْتَاعِ الزَّوْجِ وَوَجَدْنَا النَّهَارَ بِالِاسْتِخْدَامِ أَخَصَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَجَعَلَنَا النَّهَارَ لاستخدام السيد، ولو كان ما يستحقه مِنَ الِاسْتِخْدَامِ بِالنَّهَارِ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِنْهَا، وَهِيَ عِنْدُ الزَّوْجِ كَالْغَزْلِ وَالنِّسَاجَةِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا مِنْ صَنَائِعِ الْمَنَازِلِ، فَهَلْ يُجْبَرُ السَّيِّدُ إِذَا وَصَلَ إِلَى حَقِّهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ أَنْ يُسْكِنَهَا مَعَ الزَّوْجِ نَهَارًا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ قَوْلُ أبى إسحاق - يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ لِوُصُولِهِ إِلَى حَقِّهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ - إِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ هَذَا الِاسْتِخْدَامِ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُهَا مَعَ الزَّوْجِ من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يمكنه السيد مِنْهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، فَعَلَى الزَّوْجِ نَفَقَتُهَا كَامِلَةً لكمال الاستمتاع.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَتُهَا وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا لِفَوَاتِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهَا لَيْلًا فِي زَمَانِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَيَمْنَعَهُ مِنْهَا نَهَارًا فِي زَمَانِ الِاسْتِخْدَامِ، فَفِي نَفَقَتِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - إنه لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ وَيَلْتَزِمُهَا السَّيِّدُ، لِأَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ النَّفَقَةُ، وَهُوَ النَّهَارُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ السَّيِّدُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أبي هريرة - إن عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا بِقِسْطِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي اللَّيْلِ وَعَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا بِقِسْطِ مَا يَسْتَحِقُّهُ من الاستخدام لها في النهار، لأن لكل واحد من الزمانين حظاً في الحاجة إلى النفقة فلم يلزم السيد قسط الليل كما لم يلزم الزوج قسط النهار.
[مسألة]
قال الشافعي: " وَلَوْ وَطِئَ رجلٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ فَأَوْلَدَهَا كَانَ عليه مهرها وَقِيمَتُهَا (قَالَ الْمُزَنِيُّ) قِيَاسُ قَوْلِهِ أَنْ لَا تكون ملكاً لأبيه ولم أم ولدٍ بِذَلِكَ وَقَدْ أَجَازَ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَمَتَهُ فَيُولِدَهَا فإذا لم يكن له بأن يولدها من خلال أم ولدٍ بقيمةٍ فكيف بوطءٍ حرامٍ وليس بشريكٍ فيها فيكون في معنى من أعتق شركاً له في أمةٍ وهو لا يجعلها أم ولدٍ للشريك إذا أحبلها وهو