أَحَدُهُمَا: يُقْبَضُ مِنَ الشَّفِيعِ وَيُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ؛ لِئَلَّا يَتَصَرَّفَ فِيهِ الشَّفِيعُ بِغَيْرِ بَدَلٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَرُّ فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ إِلَى قُدُومِ الْغَائِبِ وَيُمَكَّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الشِّقْصِ بِمَا لَا يُؤَدِّي إِلَى اسْتِهْلَاكِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ بَيْعِهِ، لِأَنَّ الْغَائِبَ عَلَى حَقِّهِ فِيهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَهَلْ يُؤْخَذُ بِكَفِيلٍ فِيمَا حَصَلَ لَهُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُؤْخَذُ بِهِ حِفْظًا لِحَقِّ الْغَائِبِ.
وَالثَّانِي: لَا يُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّنَا عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنَ اسْتِحْقَاقِهِ، وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَصْرِيُّونَ أَشْبَهُ بِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ بَعْدَهُ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الْمُزَنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ أَقَامَ الشَّفِيعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فلانٍ الْغَائِبِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَقَامَ ذَلِكَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ إِيَّاهَا قَضَيْتُ لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَلَا يَمْنَعُ الشَّرَاءُ الْوَدِيعَةَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِ الْيَدِ عَلَى الشِّقْصِ عِنْدَ ادِّعَاءِ الشُّفْعَةِ عَلَيْهِ أَنَا وَكِيلٌ لِصَاحِبِهِ مُسْتَوْدَعٌ فِي حِفْظِهِ، فَيُقِيمَ الشَّفِيعُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ، وَيُقِيمَ صَاحِبُ الْيَدِ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهُ وَكَيْلُ الْمُسْتَوْدَعِ، وَلَا تَتَعَارَضُ الْبَيِّنَتَانِ، وَيُحْكَمُ بِبَيِّنَةِ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا مُسْتَوْدَعًا ثُمَّ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا مَالِكًا، فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْيَدِ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ عَلَى نَفْيٍ مُجَرَّدٍ.
قَالَ المزني رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ بَاعَا مِنْ رجلٍ شِقْصًا فَقَالَ الشَّفِيعُ أَنَا آخُذُ مَا باع فلانٌ وأدع حصة فلانٍ فذلك لَهُ فِي الْقِيَاسِ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوِ اشْتَرَى رَجُلَانِ مِنْ رجلٍ شِقْصًا كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ أَيِّهِمَا شَاءَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُمَا مسألتان:
إحداهما: مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، وَالْأُخْرَى مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَهِيَ فِي شِقْصٍ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ بَاعَهُ صَفْقَةً عَلَى رَجُلَيْنِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الشِّقْصَ كُلَّهُ مِنْهُمَا وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ أَحَدِهِمَا ويعفو عن الآخر؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَهِيَ فِي شِقْصٍ لِرَجُلَيْنِ بَاعَاهُ صَفْقَةً عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشَّفِيعَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الشِّقْصِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ حِصَّةَ أَحَدِ الْبَائِعَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَقَالَ أبو حنيفة لَا يَجُوزُ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُفَرِّقَ صَفْقَةَ الْمُشْتَرِي، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْكُلَّ أَوْ يَدَعَهُ كَمَا لَوْ كَانَ البائع وحداً، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ اجْتَمَعَ فِي أَحَدِ طَرَفَيْهِ عَقْدَانِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ العقدين
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute