آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ جِهَتَيْنِ كُلُّ جِهَةٍ مِنْهُمَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَإِنْ حَلَفَ مَعَ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ حُكِمَ لَهُ بِالْحَقِّ الَّذِي حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ دُونَ الْحَقِّ الَّذِي نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ بِهِ.
فَصْلٌ
: وَإِنِ اتَّفَقَتِ الْجِهَتَانِ فَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ مِنْ ثَمَنِ عَبْدٍ أَوْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ مُطْلَقَةً أَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا مُطْلَقَةً وَالْأُخْرَى مُقَيَّدَةً صَارَ الشَّاهِدَانِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى إِثْبَاتِ أَلْفٍ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِزِيَادَةِ أَلْفٍ فَحُكِمَ لِلْمُدَّعِي بِأَلْفٍ بِشَاهِدَيْنِ وَلَهُ أَلْفٌ ثَانِيَةٌ بِشَاهِدٍ إِنْ حَلَفَ مَعَهُ حُكِمَ لَهُ بِهَا فَيَصِيرُ آخِذًا لِأَلْفٍ بِشَاهِدَيْنِ وألف بشاهد يمين.
وَقَالَ أبو حنيفة: هَذَا اخْتِلَافٌ فِي الشَّهَادَةِ يَمْنَعُ مِنِ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهَا عَلَى شَيْءٍ فَلَا أَحْكُمُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي الْقَدْرِ وَصِيغَةِ اللَّفْظِ يَمْنَعُ مِنْ أن يكونا متفقين على قدر وصار كَاخْتِلَافِهِمَا فِي جِهَةِ الْحَقِّ.
وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَجُوزُ إِسْقَاطُهَا مَعَ إِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا عَلَى شُرُوطِهَا كَالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ عَلَى شُرُوطِهَا لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا مَعَ إِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا وَلَا تَكُونُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا بِحَقَّيْنِ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْآخَرِ بِأَحَدِ الْحَقَّيْنِ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَبْدٍ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَلِأَنَّ التَّنَافِيَ فِي الشَّهَادَةِ يُوجِبُ مُضَاعَفَةَ الْإِقْرَارِ وَالْمُوَافَقَةَ تُوجِبُ الْمُدَاخَلَةَ فِي الْإِقْرَارِ. فَلَمَّا كَانَ إِقْرَارُهُ بِأَلْفٍ إِذَا أَقَرَّ بَعْدَهَا بِأَلْفَيْنِ أَوْجَبَ دُخُولَ الْأَلْفِ فِي الْأَلْفَيْنِ دَلَّ عَلَى اتِّفَاقِهِمَا وَعَدَمِ تُنَافِيهِمَا. وَلِأَنَّ لَفْظَ الْأَلْفِ عَلَى صِيغَتِهِ دَاخِلٌ فِي لَفْظِ الْأَلْفَيْنِ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ عَلَامَةُ التَّثْنِيَةِ فَكَانَ أَحَقَّ بِالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ أَنْ تَنْضَمَّ إِلَيْهِ أَعْدَادٌ زَائِدَةٌ وَزِيَادَةُ الْأَعْدَادِ عِنْدَهُ لَا يَقْتَضِي التَّنَافِي كَشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَزِيَادَةُ التَّثْنِيَةِ أَوْلَى أَنْ لَا يَقْتَضِيَ التَّنَافِيَ وَيَبْطُلُ بِهَذَا مَا ادَّعَاهُ مِنِ اخْتِلَافِهِمَا فِي صِيغَةِ اللَّفْظِ.
فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْقَدْرِ فَالشَّاهِدُ بِأَلْفَيْنِ قَدْ أَثْبَتَ أَلْفًا وَزَادَ أَلْفًا وَالْآخَرُ قَدْ أثبت ألفاً فصار عَلَيْهَا مُتَّفِقَيْنِ وَفِي الْأُخْرَى غَيْرَ مُتَّفِقَيْنِ وَلَا مُخْتَلِفَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ حُكِمَ بِمِائَةٍ مِنْ جُمْلَتِهَا بِشَاهِدَيْنِ وَلَا يَكُونُ اخْتِلَافُ صِيغَةِ اللَّفْظِ مِنْهُمَا مَانِعًا مِنْ دُخُولِ الْأَقَلِّ فِي الْأَكْثَرِ وَاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الشَّهَادَةِ بِهِ وَهَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى إِقْرَارِهِ بِأَلْفٍ بِالْعَرَبِيَّةِ وَشَهِدَ الْآخَرُ عَلَى إِقْرَارِهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ بِالْفَارِسِيَّةِ كَانَا مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الشَّهَادَةِ بِأَلْفٍ مِنْهَا وَتَفَرَّدَ الْآخَرُ فِي شَهَادَتِهِ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا.
: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ عَدَمِ التَّنَافِي فِي شَهَادَتِهِمَا وَدُخُولِ الْأَلْفِ الَّتِي شَهِدَ بِهَا أَحَدُهُمَا فِي الْأَلْفَيْنِ الَّتِي شَهِدَ بِهَا الْآخَرُ عَجَّلَ الْحَاكِمُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ الْحُكْمَ بِأَلْفٍ وَتَوَقَّفَ عَلَى إِحْلَافِهِ فِي إِثْبَاتِ الْأَلْفِ الثَّانِيَةِ حَتَّى يَسْأَلَ الشَّاهِدَ بِالْأَلْفِ: هَلْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهَا؟ فَإِنْ قَالَ: لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute