للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: حَكَّاهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفِرَايِينِيُّ إِنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي الشُّفْعَةِ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِعَقْدِ الْبَيْعِ لِاسْتِحْقَاقِ الثَّمَنِ فِيهَا فَعَلَى هَذَا قَدْ صَارَ بِتَعْيِينِهَا مُبْطِلًا لِشُفْعَتِهِ بِغَيْرِهَا.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ الْمُزَنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعُ لَلْمُشْتَرِي بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَهِيَ هبةٌ وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَحُطَّ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ شِقْصًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ إِنَّ الْبَائِعَ حَطَّ عَنِ الْمُشْتَرِي مِنَ الثَّمَنِ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَضْعِ الْحَطِّ لَهُ عَنِ الشَّفِيعِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ الْحَطِيطَةَ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُشْتَرِي وَلَا تُوضَعُ عَنِ الشَّفِيعِ وَيَأْخُذُ الشِّقْصَ بِكُلِّ الْأَلْفِ، وَسَوَاءٌ حَطَّ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْحَطِيطَةَ مَوْضُوعَةٌ عَنِ الشَّفِيعِ كَوَضْعِهَا عَنِ الْمُشْتَرِي وَيَأْخُذُ الشِّقْصَ بِالْبَاقِي مِنَ الثَّمَنِ وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ وَسَوَاءٌ حَطَّ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ.

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ الْحَطِيطَةَ إِنْ كَانَتْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ عَنِ الشَّفِيعِ وَيَأْخُذُ الشِّقْصَ بِالْبَاقِي مِنَ الثَّمَنِ وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ وَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ التَّفَرُّقِ اخْتَصَّ بِهَا بِالْمُشْتَرِي وَأَخَذَ الشَّفِيعُ بِكُلِّ الْأَلْفِ.

فَأَمَّا ابْنُ أَبِي لَيْلَى: فَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ مَا حَدَثَ مِنْ بَعْدُ كَالْحَادِثِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ.

وَاسْتَدَلَّ أبو حنيفة بِأَنَّ مَا اخْتَصَّ بِالْعَقْدِ كَانَ مُلْحَقًا بِهِ كَالْحَادِثِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ. وَالْكَلَامُ مَعَ أبي حنيفة أَخَصُّ لِأَنَّ ابْنَ أبي ليلى نبه على أصله في إبطال خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ مَا سَقَطَ مِنَ الثَّمَنِ بِالْإِبْرَاءِ بَعْدَ الْتِزَامِ الْمَبِيعِ لَمْ يَسْقُطْ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ قِيَاسًا عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنَ الْجَمِيعِ وَلِأَنَّ مَا حَصَلَ بَيْنَ مُتَعَاقِدَيِ الْمَبِيعِ مِنَ التَّبَرُّعِ لَا يَتَعَدَّى إِلَى الشَّفِيعِ كَالتَّبَرُّعِ بِالزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَا يَلْحَقُهُ الزِّيَادَةُ لَمْ يَلْحَقْهُ النُّقْصَانُ قِيَاسًا عَلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَلِأَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى بِالشِّقْصِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَعْطَاهُ بِهَا دِينَارًا، وَقِيمَةُ الْأَلْفِ مِائَةُ دِينَارٍ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا كَذَلِكَ فِي الْإِبْرَاءِ مِنْ بَعْضِهَا، فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ جَمْعِهِمَا بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ وَبَعْدَهُ فَهُوَ أَنَّ الْعَقْدَ يَلْزَمُ بِالتَّفَرُّقِ وَانْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَلَمْ يَصِحَّ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا قَبْلَ اللُّزُومِ وَبَعْدَهُ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْحَطِيطَةَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ رَاجِعَةٌ إِلَيْهِمَا بَعْدَ التَّفَرُّقِ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ خِيَارُ الثَّلَاثِ هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَيْهِمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ وَمُخْتَصَّةٌ بِالْمُشْتَرِي بَعْدَ انْقِضَاءِ الثَّلَاثِ وَهَكَذَا حُكْمُ الْحَطِيطَةِ فِي الْإِقَالَةِ وَبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ إِنْ كَانَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارَيْنِ فَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>